اختار نبيل معلول في آخر لقاء ودي للمنتخب أمام اسبانيا قبل انطلاق الرسميات في مونديال روسيا 2018 أن يحدد خياراته البشرية والتكتيكية النهائية من خلال بناء تنظيم دفاعي قادر على امتصاص هيجان المنتخب الاسباني الذي يعدّ في حجم المنتخبات التي سنواجهها في المونديال أو هو أفضل من بلجيكا وانقلترا على الأقل على الورق. اختار نبيل معلول أن يعوّل على الحارس المثلوثي لأول مرة في وديات الاعداد للمونديال للتعويل على خبرته أمام مهاجمين من العيار الثقيل كالذين يملكهم المنتخب الاسباني وأيضا للمحافظة على جاهزيته خلال المونديال إذ قد يحرم معز حسن لا قدر الله من اللعب تحت أي طارئ. أما فيما يخص الرسم التكتيكي فقد اختار معلول ان يلعب بخطة (4 5 1) بالتعويل على بن يوسف كمهاجم صريح فقط ويجد الدعم من البدري والسليتي واختار معلول تعبئة وسط الميدان لغلق المنافذ أمام الاسبان توقيا من خطورة هذا المنتخب الرهيب. وقد صنع المنتخب بعض الفرص رغم خياراته الدفاعية عن طريق ساسي في الدقيقة 13 اثر امداد من البدري إلا أن الفرجاني ساسي أضاع الفرصة رغم موقعه الممتاز ثم توفرت فرصة لبن يوسف لصنع الخطر إلا أنه أضاعها وكانت أخطر فرصة في الدقيقة 33 حين مرّر السليتي إلى معلول ثم كان في الاستقبال إلا أن تسديدته ضاعت. انضباط تكتيكي كان هم نبيل معلول في الشوط الأول غلق كل المنافذ أمام المنتخب الاسباني معتمدا على تضييق المساحات أمام المنافس لعلمه أن لاعبي «لاروخا» يملكون مهارات عالية جدا سيتسفيدون منها إذا وجدوا المساحات الشاغرة أمامهم وهو ما حتم على معلول اللعب بكثافة دفاعية في وسط الميدان وعدم فسح المجال أمام المنافس للتقدم إلى مناطق منتخبنا ونجح المنتخب في مهمته وحرم مهاجمي المنتخب الاسباني دافيد سيلفا ومورينو وايسكو من أن تصلهم كرات خطيرة إلا في مرات قليلة جدا لم تقلق راحة المثلوثي ورغم امتلاك الاسبان للكرة أغلب ردهات الشوط الأول وتنويع طريقة لعبهم بالتحرك يمينا ويسارا واعتماد الكرات القصيرة أو الكرات الطويلة في ظهر مدافعينا إلا أن ثبات «نسور قرطاج» وعدم وقوعهم في فخ الارتباك جعل عمليات «لاروخا» بلا خطورة تذكر. في المقابل اعتمد «نسور قرطاج» على الهجمات المعاكسة في سعي إلى استغلال سرعة البدري والسليتي بدعم من معلول وديلان برون ونجح المنتخب في صنع الخطر رغم غياب العمق الهجومي لأن بن يوسف كان في أحيان كثيرة متأخرا للاعتماد عليه في ترسيخ الكثافة العددية في وسط ميدان منتخبنا إلا أنه كان في مرات كثيرة في مواقع ممتازة ولو توفرت لديه النجاعة لنجح في صنع الخطر. هذا التكتيك من معلول يؤكد انه يريد أن يلعب بطريقة واقعية يراعي فيها امكانات لاعبيه والفوارق الفنية والبدنية بينهم وبين منافسيهم لأن المجازفة أمام المنتخب الاسباني في هذا اللقاء الودي أو أمام انقلترا وبلجيكا في المونديال قد تكون عواقبها وخيمة لامتلاك هذه المنتخبات للاعبين قادرين على صنع الخطر حتى من ثقب إبرة فإنه أيضا مطالب بالتفكير في صنع عمق هجومي للمنتخب حتى لا يهاجمنا المنافس بكثافة عددية لاطمئنانه من غياب الخطر على مناطقه الخلفية. الأولوية للتحصينات الدفاعية في الشوط الثاني لم يغير نبيل معلول لئن من رسومه التكتيكية بل على العكس اختار تحصين دفاعه أكثر من خلال تعويض الحدادي لعلي معلول ومحمد أمين بن عمر للخاوي بل ان معلول لم يجر تعييراته إلا بعد أن حوّر المدرب الاسباني خولين لوتيفي في تشكيلته باعطائها بعدا هجوميا أكبر من خلال اقحام دياغو كوستا وأسونسيو وناتشو المعروف بدعمه الكبير للهجوم وهو ما جعل منتخب «لاروخا» يفرض سيطرة أكثر على المباراة ويحرم منتخبنا من التقدم إلى مناطقه ليكون الحارس دي خيا في شبه إجازة خلال الشطر الأول للشوط الثاني وخلق الضغط الهجومي الاسباني على منتخبنا توترا في الدفاع تجلى في ارتكاب مرياح لهفوة فادحة لم يستغلها دياغو كوستا في الدقيقة 63. تغيير اعتباطي في الوقت الذي كان فيه التونسيون ينتظرون اجراء تغيير على تشكيلة منتخبهم يعطيها أكثر عمقا في الهجوم قام معلول بتغيير السليتي بصابر خليفة مبقيا على فخر الدين بن يوسف الذي لم يكن له دور واضح في التشكيلة فلم يكن مهاجما صريحا عميق التموقع أو حتى قادرا على استغلال كرات لم تصله أصلا ولا هو قام بالتغطية الدفاعية في منطقة الوسط كما أراد معلول على ما يبدو.. لكل ذلك فإن اقحام صابر خليفة كان بلا فائدة تذكر لأنه يحتاج إلى من يقوم بالتنشيط الهجومي وايصال الكرات إليه لصنع الخطر وأمام خروج السليتي فإن هذا الدور صار موكولا إلى البدري فقط وطبعا لوحده لم ينجح في تخطي «غابة السيقان» الاسبانية وايصال الكرة إلى الخط الأمامي لمنتخبنا الذي واصل اللعب على الأطراف دون أن يفكر في اللعب في عمق الدفاع الاسباني. بل ان معلول زاد في اصراره على تكثيف دفاعه من خلال اخراج اللاعب الوحيد القادر على تنشيط الهجوم وهو البدري وتعيضه بيوهان بن علوان ليصبح محور دفاع المنتخب متكونا من ثلاثة لاعبين كما ان الحدادي وبرون لا دور هجومي لهما وهو ما يعني ان المنتخب صار يلعب بخمسة مدافعين صريحين. هفوة بدائية تركيز معلول المطلق على الدفاع لم يؤت أكله بل مكن المنتخب الاسباني من التقدم في راحة بال إلى مناطقنا لأن المنتخب التونسي صار يفتقد إلى لاعبين قادرين على منع بعض مدافعي اسبانيا من معاضدة الهجوم وهو ما خلق كثافة عددية اسبانية كبيرة في مناطق منتخبنا دفعت المدافعين إلى الوقوع في فخ الارتباك وارتكاب الأخطاء وهو ما وقع في الدقيقة 85 حين استغل المنتخب الاسباني سوء تمركز من مدافعينا انطلاقا من وسط الميدان ليمرر في العمق إلى اسياس ورغم الكثافة العددية لمدافعينا إلا أنه نجح في مغالطة المثلوثي وعكس هذا الهدف قاعدة مهمة هي ان الكثافة الدفاعية لا يمكن لها أن تصنع الحصانة. وكاد هذا السيناريو يتكرر في الدقيقة 89 عن طريق دياغو كوستا حين اخترق دفاع المنتخب وكاد يغالط المثلوثي. وتأكدت الاعتباطية في التغييرات لدى معلول من خلال اقحام الصرارفي في وقت «ميّت» تقريبا عوضا عن بن يوسف وكان الأجدر به أن يقحمه قبل ذلك على الأقل بعشر دقائق حتى يمنحه الوقت الكافي لاعطاء الاضافة. فلسفة خاطئة بدا واضحا من خلال خيارات معلول الفنية أو البشرية ان مدربنا الوطني فكر في تفادي الهزيمة أكثر من صنع المفاجأة وكان بإمكانه أن يحافظ على الرسم التكتيكي الذي لعب به خلال الشوط الأول أن يحقق التعادل على الأقل خاصة ان منتخب «لاروخا» لم يكن في أفضل حالاته خاصة من الناحية البدنية بعد ماراطون الوديات التي خاضها. المنتخب جاهز رغم الأخطاء وخيارات المدرب الذي بحث عن التعادل بكل الطرق ولم يسع لتجربة بعض اللاعبين وبعض الرسوم إلا أن المنتخب بدا جاهزا على كل المستويات وهذا يعني أن انقلترا وبلجيكا عليهما قراءة ألف حساب للمنتخب الوطني. تشكيلتا المنتخبين تونس: المثلوثي ديان برون معلول (الحدادي) بن يوسف مرياح السخيري ساسي الخاوي (بن عمر) السليتي (صابر خليفة) البدري (بن علون) بن يوسف (القصراوي) اسبانيا: دي خيا بيكيه أورديو زولا (ناتشو) راموس آلبا (آسباس) ألكانتارا (فاسكاس) بوسكيتش سيلفا (آسونسيو) ايسكو أنييستا رودريغو (دياغو كوستا)