يحتفل العالم اليوم 09 جوان 2018 باليوم العالمي للأرشيف، والذي أقرته اليونسكو من خلال «المجلس الدولي للأرشيف» الذي يعتبر منظمة دولية تأسست في 9 جوان 1948 بدعم من اليونسكو من أجل تعزيز التعاون بين المؤسسات الأرشيفية في جميع أنحاء العالم وتطوير أنشطتها للحفاظ على السجلات الأرشيفية وضمان توفرها للاستخدام... ويجدر التذكير هنا بأن الأرشفة الجيدة لا تعني حفظ الأرشيف للتاريخ والبحث فحسب. بل اعتبار الأرشيف دعامة أساسية للحكم الراشد كذلك. وهو الأداة التي تمكن الحكومات من تحمل مسؤولياتها عند المحاسبة وإثبات قدراتها على إرساء الديمقراطية. كما أنه يجعل من احترام حقوق الإنسان واقعا ملموسا ويساعد الحكومات على شرح نشاطها والدفاع عنه، وإحكامُ تسييره بما يسهم في نشر ثقافة المواطنة وتكريس الديمقراطية. و لكن إحكام الأرشفة ليست بالعملية الهينة. لذلك يوفر المجلس الدولي للأرشيف مساعدة على تفعيل سياسات تلائم الظروف المحلية للدول وممارسات مهنية تستغل الأرصدة الأرشيفية الوطنية أحسن استغلال. ويداوم المجلس على تطوير الاستراتيجيات ومختلف الأدوات التي تساعد الحكومات على تسيير أرشيفها وحسن استغلاله. ويستطيع المجلس، من خلال مشاريعه مثل مجموعة أدوات «الأرشفة الرشيدة من أجل حكم راشد»، تقديم إرشادات عملية حديثة وفي متناول المستعملين. وبالمقابل تستطيع الحكومات مساعدة المجلس بتدعيم الحكم الراشد والشفافية بطريقة واضحة. وتونس اليوم من بين الدول الرائدة في مجال السياسات المتعلقة بالأرشيف – تشريعيا وإجرائيا – حيث بادرت يوم 2 أوت 1988 بإصدار القانون المتعلق بالأرشيف، الى جانب عدد من الأوامر والنصوص التطبيقية لهذا القانون ... وأسست مبنى جديدا للأرشيف الوطني. وكونت مئات من الإطارات العليا من رتبة متصرف ومتصرف مستشار من المختصين في الأرشيف مند التسعينيات.. ولكن لا تزال خبراتها غير متفاعلة مع المجلس ومع هياكله. ولا تزال تشكو من نقص في التكوين على المستوى الدولي. وتفتقد الى تبادل التجارب تماما كما يحصل في الأنشطة الخصوصية الأخرى بكافة الوزارات والمؤسسات العمومية. إن اليوم العالمي مناسبة للتساؤل عن مآل المجلس الوطني (أو الأعلى) للأرشيف المحدث بمقتضى الأمر عدد 1980 المؤرخ في 13 ديسمبر 1988 والذي يضم في عضويته أكثر من 12 عضوا، والذي يبدو أنه لم يعد يلتئم منذ سنوات. هذا المجلس الذي لم يقع التنصيص – ضمن الأمر المذكور أعلاه - على مهامه وأهدافه !! يحتاج الى بيان دوره وتفعيله وتأكيده لخدمة القطاع والمهنيين وضمان المراجعات المستمرة لمتطلبات كل مرحلة، وذلك عبر عقد جلساته واستئناف نشاطه. والمناسبة تدعو أيضا الى تذكير «أولي الأمر» بمسائل تتعلق بمراجعة النظام الأساسي للمهنيين لينالوا حظا أوفر من الاهتمام والعناية وكذلك الى الإسراع بمراجعة الأدوات التقنية لعمل المختصين المعطلة، والتي تأكدت اليوم بعد أحداث جمة عاشتها البلاد طولا وعرضا. إن هذه التوجهات والمقتضيات هي استحقاقات أكيدة لتونس الثورة، تونس الساعية اليوم الى إثبات جدارتها بقيادة الوطن العربي وقيادة أفريقيا نحو الديمقراطية والحكم الرشيد وتأكيد تجربتها المتميزة في الاستقرار والتوافق. ولن يتاح هذا في ظل تعطيل أداة مهمة من أدوات الحكم الرشيد. وهي حسن التصرف في الوثائق والأرشيف والمعلومات. ونسجل بهذه المناسبة إطلاق مبادرات بعض الوزارات التي وعت أهمية الأرشيف ودوره في الانتقال الديمقراطي ومنها مبادرة وزارة الشؤون الاجتماعية وتميزها سواء في حسن تناول ملف الإدارة الألكترونية أو في بعث مركز للتوثيق والمعلومات الاجتماعية أو في إيلاء الميدان ما يستحق من عناية وتشجيع من خلال احتضان المهنيين وتثمين دورهم في كل مواعيد اليوم الوطني الأرشيف بإشراف مباشر من قبل وزير الشؤون السيد محمد الطرابلسي، وكذلك الشأن بالنسبة الى وزارة الشؤون الثقافية وإدارة الملكية العقارية وعدد مهم من المؤسسات. وفي هذا السياق نسجل بارتياح سعي مؤسسة الأرشيف الوطني الى الاضطلاع بدورها بكل مسؤولية واقتدار. وقد سجلنا موقفها إزاء الحفاظ على أرشيف رئاسة الجمهورية الذي حاولت هيئة الحقيقة والكرامة نقله الى مقرها، وأرشيف التجمع المنحل ذي الثراء التاريخي الهام، وأرشيف الثورة الورقي والألكتروني ... وقد بدا واضحا هذا المسعى من خلال البيانات التي تولى تقديمها المدير العام للأرشيف الوطني الدكتور الهادي جلاب خلال جلسة الحوار مع مجلس نواب الشعب (لجنة شهداء الثورة وجرحاها وتفعيل قانون العفو العام والعدالة الانتقالية) التي انعقدت يوم 4 جوان الجاري. حيث أفاد أن «الأرشيف الوطني قادر على استيعاب الرصيد الارشيفي للهيئة وأن الأرشيف الوطني بعد الثورة استعد لمتطلبات العدالة الانتقالية» والإسهام في ترشيد مسارها.