في أكتوبر من عام 1973... كان موضوع رفع الحظر البترولي عن الولاياتالمتحدة في ذلك الوقت الأكثر إلحاحا على الإطلاق بالنسبة الى الإدارة الأمريكية بينما أحدثت موافقة الرئيس المصري الراحل أنور السادات حينها على قرار وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني في تلك المرحلة تصدعا كبيرا في العلاقات المصرية الليبية بعد أن رفع القذافي «الفيتو» ضد هذا القرار. ودعا في المقابل الى «استمرار القتال حتى تحرير الأرض». وفي الأثناء بدا خلال النصف الأول من شهر ديسمبر من نفس العام أن الموقف العربي قد طرأ عليه بعض التغيير في ما يتعلق بالموقف من خيار استخدام سلاح البترول. حيث لم تتقيّد بعض الدول العربية بالبيان الصادر في 8 ديسمبر في الكويت والذي يربط رفع الحظر بانسحاب اسرائيل الكامل من الأراضي المحتلة. ففي 24 ديسمبر من عام 1973 عقد بالكويت اجتماع منظمة البلدان العربية المصدّرة للبترول وتم على إثره الاتفاق على «استمرار حظر تصدير النفط إلى الولاياتالمتحدة». لكن مع حلول شهر مارس من عام 1974 بدا أن الأمور قد تغيّرت. وكان ذلك واضحا عندما خرج وزراء النفط العرب من اجتماعهم الصاخب في منتصف ليلة 13 مارس 1974 في طرابلس الغرب دون إعلان أي قرار حول حظر النفط عن الولاياتالمتحدة بينما أكّد مسؤول ليبي أن وزراء النفط العرب سيتابعون اجتماعاتهم في فيينا. لكن كان جليا أن خلافات كبيرة حول رفع حظر النفط عن الولاياتالمتحدة قد شقت صف الوزراء العرب بسبب تمسك القذافي بمعارضته بشدة لهذا القرار. لكن هذا الموقف الليبي فجّر في المقابل أزمة كبرى في العلاقات بين ليبيا والولاياتالمتحدة التي أطلقت وسائل إعلامها «قصفا إعلاميا مركّزا» على القذافي. وباتت تطلق عليه أبشع النعوت وتسلط عليه أشد الضغوط بينما أعلن القذافي في المقابل تصميمه على تحدي هذه الضغوط والتهديدات الأمريكية ومواجهتها وفق ما جاء في حوار له نشرته مجلّة «السياسة» الكويتية في نوفمبر 1974. ولم يقف الأمر عند هذا الحد. بل تطور الموقف الى حد التلويح باستخدام «العصا الغليظة» ضد القذافي وفق ما جاء على لسان أحد المسؤولين الأمريكيين. وفي أول مارس من عام 1975 تم الإعلان عن تدريبات عسكرية تقوم بها القوات الأمريكية لتوجيه ضربات عسكرية ضد النظام الليبي. لكن القذافي ردّ على هذه التهديدات الأمريكية قائلا: «إن هذه التهديدات ضرب من الجنون». كما دعا القذافي الى تظافر جهود الشعب لمواجهة الولاياتالمتحدة. وأشار الى أن الكلام عن السلام في الشرق الأوسط غير موضوعي ما لم يفض الى عودة الشعب الفلسطيني الى دياره. وأكّد أن المحاولات الأمريكية مع بعض الدول العربية الهدف منها تأكيد الاحتلال العنصري الصهيوني لفلسطين والقضاء على حق الشعب الفلسطيني. وأضاف القذافي "ان هذه الأسباب هي التي جعلتنا نرفض استقبال وزير خارجية أمريكا. ونرفض المشاركة في هذا التحرّك الذي ليس له هدف حقيقي نحو السلام". وتابع القذافي أن هذا الموقف جعل الولاياتالمتحدة تتهم ليبيا بأنها تقف ضد مشاريع السلام في الشرق الأوسط. وتريد الدمار للاسرائيليين وأن ليبيا دولة حرب عدوانية». ومن ثمة بادرت الإدارة الأمريكية الى وضع ليبيا على القائمة السوداء فلا تباع لها المعدات العسكرية أو المعدات التقنية. ولا يكون هناك تعاون معها ولا تقبل أمريكا سفيرا لليبيا. ولا تبعث أمريكا سفيرا لها الى طرابلس» وفق ما جاء في كلمة القذافي خلال الندوة العالمية حول عزل الصهيونية. وفي الأثناء دخل السادات مرحلته الأخيرة في قضية الصراع العربي الاسرائيلي بمفاجأة الجميع من خلال القيام بزيارة الى القدس ووصوله الى نقطة اللاعودة مغامرا بقطيعة شبه كاملة مع جل الأنظمة العربية. وعلى إثر ذلك عقدت الدول الرافضة لزيارة السادات مؤتمر طرابلس في ديسمبر من عام 1977 والذي انتهى الى تشكيل «جبهة الصمود والتصدّي». لكن تشكيل هذه الجبهة رافقته حملة واسعة أطلقها العقيد الليبي على الرئيس المصري الراحل أنور السادات وصلت الى حد اتهامه بالخيانة العظمى بسبب زيارته الى القدس قبل أن يطالب في المؤتمر الثاني لجبهة الصمود والتصدي الذي عقد في الجزائر بين 2 و4 فيفري من عام 1978 بناء على دعوة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين سنة 1978 بإطلاق يد الفدائيين الفلسطينيين لاستهداف الكيان الصهيوني.... ولم تتوقف العلاقات الليبية المصرية عند هذا المستوى من التدهور. بل تطور الأمر إلى مواجهة مسلحة عندما هاجم أنور السادات القذافي في خطاب له مشهور محذرا من أنه سيلقنه «درسا» لن ينساه بسبب تماديه في مهاجمة بلاده..وتصاعدت نذر المواجهة بين الرجلين من جهة وبين القذافي والغرب من جهة أخرى. وبدا أن المنطقة مقبلة على تطورات دراماتيكية... تتابعون فصولها وتفاصيلها في الحلقات القادمة..