تونس (الشروق) بعد أن أجلت العملية الإرهابية الأخيرة افتتاح الدورة 54 لمهرجان الحمامات الدولي، كان الموعد مساء الثلاثاء مع العرض الكوريغرافي «خارج المدن» ليصافح الجمهور في اليوم الموالي الاربعاء 11 جويلية 2018، في فضاء دار سيباستيان، عملا مسرحيا بعنوان «الهربة»، للمسرحي غازي الزغباني. على صوت مطاردة أمنية خارج الفضاء الذي تدور فيه أحداث المسرحية، يفتح شاب متشدّد دينيّا، غرفة مومس وهو يلهث، هاربا من مطاردة الشرطة له ولزملائه، وسط أزقّة المدينة العتيقة بتونس العاصمة، ورغم رمزية الفضاء، ورفضه من قبل هذا الشاب فإنه كان مجبرا على الاختباء في غرفة المومس في ماخور المدينة، خوفا من رجال الأمن الذين كانوا يلاحقونه. وجسد دور الشاب المتحدث عنه الممثل غازي الزغباني، في حين جسدت دور المومس الممثلة نادية بوستة، وبالعودة إلى أحداث المسرحية، تزداد الوضعيّة تعقيدا وطرافة بدخول زبون إلى الغرفة، وجسد شخصية هذا الزبون، الممثل محمد حسين قريع، ممّا اضطر الشاب، الذي هو في الواقع صاحب شهادة عليا عاطل عن العمل، إلى الاختباء تحت السرير ينتظر انفراج هذه الوضعية. شخصيات متناقضة ومتباعدة، جمعتها الحاجة إلى الآخر، وهذه الحاجة أفرزت جملة من المواقف الكوميدية الساخرة، التي تجسدت في المفارقات بين الشخصيتين الرئيسيتين، المومس والشاب المتطرف.. بين تحرر المومس المفرط وبين الفكر المتحجر والمتشدد للشاب، تولد السخرية وما يعبر عنه بكوميديا المواقف، لكن الطرح المقدم لا يخلو من رمزيات ونقد لقضايا كنظرة المجتمع الذكوري لجسد المرأة وللمرأة عموما. صحيح أن أحداث المسرحية دارت في غرفة مومس، بينها وبين شاب متشدد بعيد عنها كل البعد، بيد أن محاولات الإغراء التي اعتمدتها المومس لتعيش ليلة حميمية مع هذا الشاب ونجحت فيها، محت الهوّة الفكرية والشكلية وقربتهما بالوصل ليصبحا جسدا واحدا ولو إلى حين، قرب حرك مشاعر الحب والشهوة التي ماتت داخل جسد المومس، وحركت أيضا نفس المشاعر التي قبرها الشاب داخله بإرادته وبخوفه من المجهول.. هكذا كان طرح غازي الزغباني لبعض المتناقضات في تونس الآن وهنا.. كل أحداث المسرحية جسدها باقتدار الممثلان غازي الزغباني، ونادية بوستة وحتى الظهور القصير زمنيا للممثل محمد حسين قريع لم يمر مرور الكرام فقد أدى جميعهم شخصيات مركبة مثقلة بهموم الواقع معبّأة بعقد مختلفة اختلاف الشخوص، باقتدار وتميز جعلت العمل ناجحا فنيا وجماهيريا، مع التذكير بأن مسرحية الهربة، كتب نصها غازي الزغباني وأخرجها، عن نص بالفرنسيّة لحسن ميلي.