تحتضن العاصمة الصينية بيكين في بداية سبتمبر القادم منتدى التعاون الصيني الإفريقي الذي من المنتظر أن ينتظم في مستوى القمة. وقد ابدت الصين منذ بداية القرن الحادي والعشرين اهتماما خاصا بالقارة الإفريقية بالنظر إلى الفرص المتاحة لتنمية مبادلاتها مع كل بلدان القارة السمراء، خاصة وأن سرعة النموفي اغلب هذه البلدان تفتح آفاقا واسعة لتدفق السلع والخدمات الصينية التي هي في متناول الشعوب الإفريقية بالنظر لأسعارها المنخفضة، وفي نفس الوقت يمكن لبلدان القارة توفير الحاجيات الصينية من الطاقة والمواد الاولية لضمان ديمومة التطور الذي تشهده مختلف الصناعات في هذا البلد الآسيوي المترامي الأطراف. وقد وضعت الصين إفريقيا من ضمن المناطق الإستراتيجية التي بذلت مجهودات كبرى من أجل ان يكون لها موقع قدم فيها وقد تمكنت منذ انطلاق منتدى التعاون الصيني الإفريقي سنة 2000 من مضاعفة المبادلات التجارية حيث اصبحت بيكين سنة 2009 اول شريك تجاري لدول القارة متقدمة على البلدان المستعمرة القديمة وقد تجاوز حجم المبادلات 220 مليار دولار سنة 2014 ولئن تراجع إلى 149 مليار دولار سنة 2016 فقد بقي في مستوى مرتفع كما أن الميزان التجاري يسجل فائضا لفائدة الصين حيث تبلغ الصادرات الإفريقية نحوالصين بالكاد نصف قيمة وارداتها من هذا البلد. ورغم أن ثلاث دول تمثل أهم الشركاء الافارقة للصين وهي إفريقيا الجنوبية وأنغولا ونيجيريا فإن بيكين لها 52 بعثة دبلوماسية تغطي كل بلدان القارة في حين ان الولاياتالمتحدة ليست ممثلة إلا في 49 دولة بما يؤكد الاهمية التي توليها الصين لعلاقاتها مع الدول الإفريقية. المعروف عن الصين أن استثماراتها خارج حدودها قليلة وهوخيار استراتيجي تسير عليه فهي عادة ما تفضل تقديم قروض بشروط ميسرة من حيث الفائض ومدة السداد على القيام باستثمارات إلا ان هذه القروض عادة ما تكون مقيدة حيث ان السلع والعمالة اللازمة لإنجاز المشاريع تكون صينية المنشإ وقد مكن هذا الخيار من تطوير الصناعات الصينية لا سيما في ميدان النقل البري اوالحديدي مما جعل عديد دول القارة تعول على الصين في بناء الطرقات والخطوط الحديدية وكذلك الموانئ والمطارات وقد أثر ذلك على حجم التداين الإفريقي نحوالصين حيث أصبحت ديون بعض الدول تجاه هذا البلد مرتفعة من حيث الحجم والنسبة وهي تمثل احيانا بين 50 و70 في المائة من الحجم الجملي للدين الخارجي مثلما هوالشأن بالنسبة لبلدان مثل كينيا(55 %) وجيبوتي(60 %) والكاميرون(70 %). لا شك أن الصين تعول على القارة الإفريقية لتأكيد أهميتها كدولة كبرى لا سيما وانها تدري ان لا يوجد بينها وبين دول القارة مشكلات ناجمة عن الفترة الاستعمارية ولا عوائق تقوم على منطق الخوف من الإمبريالية كما هوالشأن في العلاقات مع الولاياتالمتحدة ولكن ذلك لا يعني ان بلدان القارة ستصبح مستباحة للصين خاصة في ظل ظهور شكوك بخصوص حالات فساد عند إسناد المشاريع مثلما راج حول الخط الحديدي نيروبي- منباسا الذي بلغت تكلفته 4 مليار دولار والذي وقع تدشينه في جوان 2017. وهوما دعا الصين إلى تطوير علاقاتها مع المجتمع المدني في بلدان القارة وإلى مزيد الاهتمام بالتكوين وهوما يحصل مع مؤسسة هواويHUAWAEI كبرى مؤسسات الهاتف الجوال والتي تتولى تكوين 12000 طالب إفريقي سنويا في مجال تكنولوجيات الاتصال وكذلك اهمية انتداب عمالة محلية وهوما بدأ يحصل حيث ان 80 % من العمال في المشاريع التي تتولاها الصين اضحوا محليين. في هذا الإطار قد تبدوالمبادلات التونسيةالصينية التي تبلغ 1فاصل 5 مليار دولار متواضعة ولكنها جد هامة بالنسبة لتونس لا سيما وأن الصين تعد اول مساهم في العجز التجاري الذي تفاقم بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية ولئن بذلت جهودا للحد من هذا العجز عبر الترويج للمنتجات التونسية مثل زيت الزيتون فإن هذا العجز يمثل مشكلة يجب العمل على التخفيف من حدتها ويعتبر استقطاب السياح الصينييننحوتونس احد هذه الوسائل ومن المنتظر ان يتجاوز عددهم خلال هذا الموسم ال18 الفا الذين وقع تسجيلهم عام 2017كما ان الصين عبرت عن حسن نيتها تجاه تونس بتقديم هبة لبناء الاكاديمية الدبلوماسية تم التوقيع على تبادل الرسائل الخاص بها في الايام القليلة الماضية وكذلك من خلال بناء احد المستشفيات الجامعية الكبرى في مدينة صفاقس بتمويلات صينية تفوق 53 مليون دينار. كما لا تخفى اهمية ان تصبح تونس قاعدة للمنتجات الصينية بالنظر إلى موقعها كنقطة لقاء بين إفريقيا والعالم العربي وأوروبا. ينعقد المنتدى الصيني الإفريقي للتعاون يومي 3 و4 سبتمبر في بيكين تحت شعار «الصين وإفريقيا- مصير مشترك وشراكة مفيدة للطرفين» ومن المتوقع ان تشارك تونس في أشغاله في اعلى مستوى كما بينه اللقاء الذي جمع خلال الاسبوع المنقضي رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بسفير الصينبتونس وهواللقاء الذي تمحور الحديث خلاله حول تعزيز نسق التشاور السياسي وتطوير العلاقات الإقتصادية لفتح مجالات جديدة من التعاون بين تونسوالصين. وقد أكد الطرفان بالمناسبة حرصهما على بناء شراكة متينة، لاسيما في ضوء انضمام تونس «لمبادرة الحزام وطريق الحرير» في جويلية 2018 ، وكذلك المشاركة التونسية في المنتدى الإفريقي الصيني المنتظر. إن تونسوالصين ترتبطان بعلاقات صداقة تاريخية إذ كانت بلادنا سباقة للاعتراف بجمهورية الصين الشعبية ولحصولها على مقعدها الدائم في مجلس الامن الدولي كما كانت مواقفها متقاربة إزاء أبرز القضايا الدولية والإقليمية، ولاسيما قضايا التحرر والانعتاق من نير الاستعمار ولعل كل هذا يفتح آفاقا واعدة للتعاون بين البلدين.