نستطيع عندما نصنف عناصر الثقافة في عصور الاسلام اوعناصر العلوم بقطع النظر عن الدينية منها وغير الدينية نستطيع عندما نصنفها بالنظر الى القران العظيم ان نصنفها ثلاثة اصناف . الصنف الاول : علوم نشأت من القران وهي العلوم الدينية بمعنى اخص من علوم العقيدة والشريعة والاداب الشرعية . الصنف الثاني : علوم نشأت للقران العظيم ولم تنشأ منه وهي جميع العلوم اللغوية فانها انما نشأت كلها لاجل القران العظيم للمحافظة عليه ولست محدثكم حديثا جديدا عن اسباب نشأة علم النحوولا عن اسباب تقويم الخط ولا عن اسباب ادخال علامات الاعراب ولا عن اسباب ادخال الاعجام والتفرقة في الحروف بين المعجم والمهمل ان كل ذلك لم يكن الا لاجل المحافظة على نص القران العظيم . الصنف الثالث : تنشأ له ولكنها امتزجت به . واصبحت مبينة لمقاصد بتوجيهها احيانا اوببيان ما يراد نقضه منها من القران وذلك كل ما يرجع الى العلوم الحكمية والعلوم الرياضية والعلوم الانسانية . فانها وان لم تكن ناشئة من القران ولا ناشئة له انها عاشت على اتصال به وعلى نظر اليه وعلى وضع لها منه وضعا نسبيا يرجع الى تأييد القران العظيم بها اوتأييدها بالقران العظيم اوما بين بعضها وبين القران العظيم من الاختلاف مما يجعلها مردودة به اويجعلها ملحوظة باياته . ولاجل ذلك بالغ كثير من الباحثين في العلوم في تعديد ما سموه بعلوم القران حين خرجوا بعلوم القران عن معناها الاخص الى المعنى الاعم من معارف التي ترتبط بالقران العظيم مما نشأ منه اونشا له اوامتزج به حتى ذكر القاضي ابوبكر بن العربي في تفسيره ان جملة علوم القران فيما احصى هومن المعاني التي تستفاد من القران العظيم وترتبط بفرع من فروع المعرفة متصل بالقران من قريب اومن بعيد انما تبلغ سبعة الاف واربعمائة وخمسين علما . وعلى ذلك غلا مصنفوالكتب في العلوم من امثال الامام السيوطي في كتاب « الاتقان « ثم من جاء بعده من الذين صنفوا في العلوم والكتب مثل « طاش كبري زادة في مفتاح السعادة « وحجي خليفة في كتاب « كشف الظنون « فاعتبروا من جملة العلوم القرانية ما لا يشهد له اصل من القران بل ما لا يشهد لصدقه مثل « علوم الطلاسم « و» الزايرجات « وغيرها . وكل هذا انما كان يرجع الى ما نظروا من الروح القرانية انما هي سائرة في كل فكرة تشتغل لعلم من العلوم في عصور الحضارة الاسلامية سواء كان ذلك على معنى النشاة منه اوعلى معنى العمل له اوعلى معنى الامتزاج به امتزاجا ايجابيا فيما يتلاءم مع القران اوامتزاجا سلبيا في ما تقوم ايات القران حججا على نقضه وعلى ابطاله من المعارف التي تضمنتها اغاليط العلوم اوالتي تضمنها علوم لا اساس لها من الصحة في اصل وضعها . وانه ليكفينا من ذلك ان ناخذ مثلا بسيطا نضربه لمقدار اتساع مدى ما تفرع عن القران العظيم من الاوضاع العلمية والتصانيف في اللغة العربية في عصور الحضارة الاسلامية اذ نأخذ علما واحدا من العلوم المختصة بالقران التي هي العلوم القرانية بالمعنى الاخص، لا العلوم القرانية مثل علم التجويد وعلم الرسم التوقيفي وعلم اعراب القران وعلم احكام القران وعلم اعجاز القران وغيرها .لنترك جميع هذه العلوم ولنقف على علم واحد من العلوم القرانية بالمعنى الاخص وهوعلم التفسير في معناه الاخص . اعني الكتب التي تتبع القران العظيم لفظا وتركيبا وتبين معانيه من اوله الى اخره على ترتيب التلاوة . فاننا اذا اخذنا كآدة التفسير ورجعنا الى معجم من معاجم التآليف ولنجعله كتاب «كشف الظنون» الذي صنف في القرن الحادي عشر فاننا نجد «كشف الظنون» ذكر من التفاصيل فقط من بين كتب العلوم القرانية نحوا من ثلاثمائة وخمسين تفسيرا هذا ما اشتمل عليه كتاب «كشف الظنون» بالذكر فاذا اعتبرنا ان الذي ذكره «كشف الظنون» مما صنف في العربية ليس الا قليلا من كثير لان اكثر الكتب التي صنفت قبل القرن السابع انما ضاعت وتلاشت بنكبة بغداد وان الذي ضمنه صاحب « كشف الظنون « كتابه مما وقف على ذكره ليس الا عددا قليلا بالنسبة لما لم يقف عليه صاحب « كشف الظنون « مما لم يزل الناس من عصره الى الان منهمكين في الاستدراك عليه . واذا اضفنا الى ذلك ما الف بعد صاحب « كشف الظنون « في القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من التفاسير الكثيرة واضفنا الى ذلك ما كتب على بعض التفاسير من الكتب التي تعلقت بها مثلما كتب على « الكشاف « من الحواشي وما كتب على « البيضاوي « من الحواشي فان حواشي « البيضاوي « المعروف منها يبلغ نحوالمائة وحواشي « الكشاف « المعروف منها عندنا الان يبلغ نحوالخمسين زيادة على ما الف حول كل كتاب من هذه الكتب، من كتب في تخريج الاحاديث التي اشتمل عليها وكتب في شرح الشواهد التي وردت في اثنائه وكتب في الردود المتعلقة بكتاب من تلك الكتب كالردود التي يمكن ان يحصيها الانسان بذكرها لا بمجرد تقديرها تقديرا مما يرجع الى مادة التفسير وحدها، يرجع بدون مبالغة الى نحومن عشرة الالف . فبهذا المثل هوالذي نكتفي به للدلالة على ما كان للقران العظيم من اثر في التكوين الفكري وما كان يحف به من العناية العلمية في عصور الاسلام . يتبع