المأثور عن الزّعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة استحضاره الدّائم للآية الكريمة :»إنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» (سورة الرعد الآية 11). استحضارا منهجيا مقصودا في كل خطبة وكلماته وعيا منه بأنّ التغيير المنشود لدى الشعب التونسي يتأتى من تغيير ذواتنا نحو الأحسن والأجدى من الوعي إلى الفعل. اليوم وتونس تواجه المرحلة الأخطر والأصعب والأدق في تاريخها على الجميع أن يتساءل ونحن على أعتاب السنة التاسعة للثورة... هل غير التونسيون ما بأنفسهم في كل القطاعات والمجالات وبالخصوص في المجال السياسي الذي يعتبر مصدر كلّ الإخفاقات والأزمات منذ الثورة. لا أرى أحدا إلى حدّ الآن في الحكم وفي المعارضة وفي الكثير من القطاعات الأخرى يجرؤ على الاعتراف بأنه غيّر ما بنفسه، فالكلّ يكيل الاتهامات لغيره في أوضح تجسيد لقول الفيلسوف والانقليزي الشهير توماس هوبس :"حرب الكلّ على الكلّ". ولعلّ الإضراب العام الذي نفذه الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 22 نوفمبر 2018 في قطاع الوظيفة العمومية، والاضراب المرتقب في القطاع العام والوظيفة العمومية كامل يوم 17 جانفي المقبل أبرز دليل على أن لا شيء يتغير نحو الأحسن في تونس ما دامت الأزمة مستفلحة بين الأطراف التي من المفترض أن تكون أمينة على البلاد والعباد. صحيح أن بورقيبة دخل إبان حكمه في خلاف وصدام مع إتحاد الشغل بلغ ذروته في 26 جانفي 1978، لكن البلاد رغم ذلك لم تصل إلى الحدّ الخطير الذي أدركته اليوم في ظل ظروف معيشية صعبة وتدهور واضح في كل المجالات خارج القراءات الايديولوجية المتهافتة التي تنكر مآثر الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بدافع الحقد الأعمى والكراهية المجرّدة من أسبابها كان بورقيبة من طينة الزعماء الذين تنشدهم الشعوب ويحتاجهم التاريخ ولا جدال في ذلك بالنسبة إلى الشعب التونسي الذي يعرف أن تونس كانت ملء قلب الزعيم الراحل من أجلها سخر حياته في سبيل استقلالها وإعلان جمهوريتها وبناء دولتها الحديثة رغم الإقرار بطبيعة بعض الأزمات التي شهدتها تونس خلال حكمه ككل الشعوب التي كانت في طور البناء بعد عقود من الاستعمار والتخلف. ماذا إذن لو كان الزعيم بورقيبة حيّا في مثل هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ تونس؟. سؤال قد يراه البعض اعتباطيا ولكن لشرفاء الوطن ومناضليه الصادقين رؤية مغايرة جوهرها الحاجة إلى وعي بورقيبة وعقلانية بورقيبة وحكمة بورقيبة وبالخصوص وطنية بورقيبة الذي لم يطلب تعويضات مقابل سنوات جهاده ونضاله وسجنه من أجل حرّية تونس ومناعتها وسيادتها، ورحل عن هذه الدنيا بدون أن يخلّف وراءه ثروة شخصية أو أملاكا في الداخل والخارج فعاش فقيرا ومات فقيرا وكذلك الشأن بالنّسبة إلى ابنه الدّبلوماسي القدير المرحوم الحبيب بورقيبة الإبن الذي لم يخلق في البلاد مشكلة وراثة والده. تونس اليوم تحتاج إلى فلسفة بورقيبة وإلى حكمته وروحه النضالية المتوثبة، تونس لا تحتاج إلى الخطابات الانشائية الشعبوية التي ملأت الساحة منذ 2011 وقادت البلاد إلى الأزمة تلو الأزمة، بل تحتاج إلى الخطاب البورقيبي الصادق في معانيه والواضح في لغته. تونس تحتاج إلى صوت بورقيبة من عبق الذاكرة والتاريخ وهو يحيي النفوس ويقول عاليا ما قاله الله تعالى :»إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» (صدق الله العظيم). وللحديث بقية...