بالتأكيد أن الأحداث التي جدّت بفرنسا، وبالعنف الذي شهدته باريس آخر سبت منقضي، هي تعبير عن أزمة مستفحلة... أزمة تملّكت النظام الرأسمالي الذي دخل بوتقة غير مسبوقة من المشاكل والأزمات، تبدأ وتنتهي بالمواطن الإنسان، تؤرقه وتكبّل طاقته الشرائية، بدون أن تكون لهذا النظام الرأسمالي المتوحّش أيّة حلول... آلاف المواطنين خرجوا وتنادوا في باريس السبت الفارط، صبّوا جام غضبهم على رأس السلطة، ولكنهم دمّروا وأحدثوا خسائر وصلت المليار يورو... والحقيقة، كان هذا التشنّج منتظرا في فرنسا وفي غيرها من البلدان الرأسمالية والتي تدخل ضمن دائرة نظام دستوري اسمه: الديمقراطية الليبيرالية... هذا النظام الذي نجده مجسّدا في مدرستين: الأولى أمريكية ونظام رئاسي ليبرالي اقتصاديا وليس فيه منزلة اجتماعية أو رائحة اشتراكية. فكانت السلطة تُتداول بين حزبين كبيرين من صنف أحزاب النخبة أو أحزاب الانتخابات Les partis de cadre. المدرسة الثانية هي أوروبية زائد اليابان، والتي تعتمد إما نظاما نصف رئاسي مثل فرنسا أو نظام برلماني مثل بريطانيا والبقية... طوال السبعين سنة التي تلت الحرب العالمية الثانية بقيت المدرستان المتقاربتان، على خطّين متوازيين، فلا الأوروبيين واليابان معهم، استجلبوا التجربة الأمريكية التي تحكمها وبالدستور اللوبيات المالية والصناعية، ولا الولاياتالمتحدة استجلبت تجارب من الشق الثاني من المدرسة الليبرالية... الذي حصل، أن فرنسا، أتت انتخاباتها برجل اسمه إيمانوال ماكرون، وكان بعيدا عن منظومة الأحزاب السياسية التي تزخر بها فرنسا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار... ما حدث يوم السبت المنقضي هو ناقوس خطر، يحذّر في الآن نفسه النظام الرأسمالي في كلّيته، ويحذّر كذلك نظام الحكم المستحدث في فرنسا، خاصة أنه نظام مارق عن الأحزاب، لذلك تركت الأحزاب ماكرون الرئيس، يواجه قدره مع المحتجين غير المؤطرين لا في أحزاب ولا في نقابات. هنا الخطر المحدق بالنظام السياسي الليبرالي، الذي أراد من خلاله ابن المنظومة البنكية، إيمانوال ماكرون، قيادة البلاد وتوجيه الاقتصاد بدون مؤسسات... النظام الرأسمالي الاقتصادي، الذي ولجته البنوك واقتصاد المضاربة والعقارات، تبيّن أن حدوده كارثية على الناخبين والمواطنين... فقد جاءت الاتهامات ضد الرئيس ماكرون من المحتجين، على أساس أنه يحمي الأغنياء الجدد، أغنياء المضاربات عبر المال والأعمال، في حين غابت الأحزاب المعبّرة عن الرأسمالية الصناعية والفلاحية.. الآن. نقطة ثالثة، نعتقد أنها صبّت الزيت على النار، وتتمثل في أن النظام الرأسمالي كان يقيس أداءه عبر المنافس في القطب الموازي ونقصد الاشتراكية والشيوعية. من ذلك أن الرأسمالية وجدت نفسها بلا منافس، فتغوّلت على الإنسان المواطن، وخنقته بالضرائب والتفقير... وهذا ما أصدع به المحتجون.. في فرنسا... النظام الرأسمالي في عنق الزجاجة، فليس به روافد للحلّ إن لم يأخذ بعين الاعتبار، وفي أي معادلة حق المواطن الناخب...