اعتبر الدكتور علاوة كوسة أن التجربة الأدبية التونسية تتميز بالعمق والتنوع وفيها أكثر من صوت لافت سواء في الشعر أو القصة أو الرواية من خلال متابعته لما يصدر في تونس . تونس - الشروق الدكتور علاوة كوسة من أكثر الجامعيين والنقاد والكتٌاب الجزائريين حضورا في تونس من خلال مشاركاته الأكاديمية في الجامعات التونسية والأدبية أيضا على هامش زيارته الأخيرة لتونس إلتقته الشروق في هذا الحوار كيف ترى المشهد الأدبي في تونس اليوم ؟ إن المتتبع العميق للمشهد الأدبي العربي المعاصر، يلمح ذلك المدّ الحداثي العميق في النص الأدبي على المستويين الشكلي والموضوعاتي، والانفتاح على تجارب تجديدية جادة، واشتغال على مستويات تجريبية متعددة، ويشكل الأدب التونسي مساحة شاسعة في هذه التجربة الحداثية العميقة الواعية، وفي مختلف الأجناس الأدبية، وبأقلام أدباء واعين مثقفين مشتغلين على النص بمسّ حداثي راقٍ ووعي فني لافت، وحس جمالي أخّاذ، وقد لمست ذلك من خلال قراءاتي المختلفة لمختلف الأجيال الأدبية، وفي فنون أدبية مختلفة، ولحساسيات فنية وإيديولوجية متنوعة، فاختلفت المرجعيات والفنيات، ولكن النص الأدبي بدا راقيا لدى كثير من التجارب الأدبية الرائدة والجديدة في الساحة الأدبية التونسية، وهذا يكشف جوانب هامة من رقي التجربة الأدبية التونسية واحتلالها مراتب متقدمة في المشهد العربي عموما. ماهي الأصوات التونسية التي لفتت أنتباهك ؟ - قد يقرأ الأديب والناقد الكثير قبل أن يصدر أحكاما جاهزة، وهو ماوقع معي حين حاولت الإطلاع على الأدب التونسي، وقراءة ماأمكنني منه رغم صعوبة الإلمام بكل التجارب، وقلة توزيع وتسويق المنتج الأدبي التونسي خارج تونس وفي الجزائر خصوصا، واشتغلت على كثير من التجارب الأدبية التونسية، لكتاب مختلفين منهم: أمال مختار، حياة الرايس، محمد عيسى المؤدب والذي تشرفت بتقديم روايته›جهاد ناعم›و التي أعدّها عملا استثنائيا في مسار الرواية التونسية والعربية المعاصرة، ومنها أيضا: وحيدة المي، أحمد الشايب، مريم ذياب، شكري المبخوت، كمال الرياحي، حنان جنان، صفية قم، ابتسام خليل، نجوى دوز، جمال الجلاصي، بين الأبداع والنقد أين تجد نفسك ؟ بين الإبداع والنقد جسر حريري جميل، وأجدني متنقلا دوما بين الضفتين، من غير خوف ولاحذر أبدا، لأنني أشعر أن الكتابة الإبداعية لا تحلو إلا بحس نقدي يحرضك على تأثيث نصك والاشتغال عليه بصرامة وحزم، وأن تساير بإبداعك روح عصرك التي لا يمكنك بلوغها مالم تكن باحثا وقارئا للمنتج النقدي، ومايكتبه القراء والمتخصصون والنقاد، ومايصلك من دراسات عن الإبداع، كما أنني حين انتقل إلى ضفة الكتابة النقدية الأكاديمية بأوراقها المتقنة الصارمة ذات الروح العلمية الموضوعية الفاحصة المنصفة للمتون الأدبية، حينها لا أفكر في إلغاء الذات الإبداعية في نفسي، حيث أستمد من جنون الإبداع لغته الراقية التي تجعل النقد ممتعا سلسا عميقا محيطا مراودا للنص، وليس نقدا جافا يقذف القراء بالمصطلحات الرنانة والنظريات العقيمة التي لاتسمن النص ولاتغني القراء من لهفة دائمة لتذوق النصوص، لذا حاولت دوما أن أصالح بين قلم إبداعي مجنون، وآخر نقدي عاقل، وبينهما تكمن الكتابة الممتعة كما أتصور. قياسا بالجزائر كيف ترى نسق النشر والتوزيع في تونس ؟ - ستكون مقارنتي بين الجزائروتونس نسبية، في مجال الإنتاج والنشر والتوزيع، أما في الجزائر فإن الإنتاج الأدبي يعرف حركية كبيرة خاصة في العقدين الأخيرين، وخلال عواصم الثقافة العربية والإسلامية التي احتضنتها الجزائر في كل من العاصمة 2007، وتلمسان 2011،و قسنطينة 2016، وبتشجيع كبير وواع ومدروس من وزارة الثقافة الجزائرية، حيث طبعت آلاف الكتب، ووزعت بإحكام على كل المؤسسات الثقافية عبر ولايات ودوائر وبلديات الوطن، كما أن دور النشر في الجزائر كثيرة، وصارت تشتغل على النوعية في المتون والإخراج وذلك من خلال لجان قراءة متخصصة، وهو مايبشر بحركة أدبية جيدة من حيث توفير الكتاب وتوزيعه، أما في المشهد التونسي، فلا أحكم إلا بما شاهدت وتابعت من اشتغال واع وجميل لبعض دور النشر التي تراهن على النوعية في المتون والأسماء أيضا، واكتشف الأدباء احترافية هذه الدور فراهنوا عليها وراهنت عليهم، واكتسب الطرفان مصداقية وانتشارا، أما من حيث الإنتاج الأدبي في تونس، فمثير للاهتمام، فهناك مدونات جديدة في الشعر والرواية تشهدها الساحة بشكل كبير، على خلاف القصة القصيرة التي بقيت يتيمة في الجزائروتونس والوطن العربي جميعا.عموما فإن حركة الإنتاج في البلدين تبعث على الاطمئنان كميا، أما النوعية فالتاريخ سيصفي الجيد من الردئ، وذلك لايكون إلا من خلال الحركة النقدية الموازية للحركة الأدبية، وأرى النقد متابعا بدرجات متفاوتة للمنتج الأدبي في البلدين معا، خاصة من خلال النوادي والجمعيات والتنظيمات الثقافية التي صارت ذات نشاطات دورية . أشرفت على رسائل جامعية كثيرة تعنى بالأدب ماهو حظ الأدب التونسي فيها ؟ أشرفت على عديد الرسائل الجامعية التي تناولت أعمالا أدبية تونسية بالدرس والنقد، وذلك في الشعر والرواية والقصة أيضا، وهي رغبة مني في إعطاء مساحة أوسع للأدب التونسي في الجامعة الجزائرية وهي فرصة لطلبتنا للاطلاع على هذا الأدب الشقيق، وهي بطريقة أخرى تشييد لجسور أدبية نقدية أكاديمية بين الجامعة الجزائريةوالتونسية أيضا، ونتمنى دوما أن تمتد العلاقات الأكاديمية بين الجامعتين التونسيةوالجزائرية، لنفتح نقاشا علميا أدبيا واسعا بين البلدين، ولتمتزج حروفنا وحبرنا كما امتزجت دماؤنا عبر التاريخ. هل أختطفك البحث الأكاديمي من الكتابة ؟ صحيح أن البحث الأكاديمي والاشتغال في مجال النقد والدراسات صار يشغل حيزا كبيرا في حياتي، ولكنني لم أستطع أن أبرح مدن الكتابة ولااستطعت أن أهجر قلاع الجنون الإبداعي أبدا، وأشعر أنني خلقت للكتابة الإبداعية قبل أن أهيَّأ للنقد والبحث ربما، ولكنني أشعر أيضا أنني أستمتع في الحالتين، فلا إبداع جمال، والنقد أن تعيش هذا الجمال، رغم أنني أشعر بأن قلمي في بداياته ولم يقل كل شيء بعد. كلمة ختامية: أشكر لكم اهتمامكم ن وعمق أسئلتكم الدقيقة والمبدعة، وشكرا لجريدتكم الغراء، متمنيا كل التألق لمن يصنعون مجد المشهد الأدبي والثقافي بتونس، والرقي لتونس الشقيقة .