سلم وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي بوصفه مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رسالة خطية تتضمن دعوة للمشاركة في القمة العربية الثلاثين التي تحتضنها تونس يوم 31 مارس القادم. ولسائل أن يتساءل هل جاءت الدعوة متأخرة بعد أن علمنا أن دعوات لحضور القمة كانت سُلمت إلى رئيس جمهورية جيبوتي أو لرئيس جمهورية القمور قبل أن يتم تسليمها إلى الرئيس المصري وحتى لا يقع أي تأويل مجانب للصواب فلا بد من القول إن التقاليد المعتمدة تفرض أن يقع تسليم أول دعوة للرئيس المباشر للقمة السابقة وهو ملك الملكة العربية السعودية سليمان بن عبدالعزيز أما فيما يتعلق بباقي الملوك و الأمراء والرؤساء فيقع في نفس اليوم وعبر القنوات الدبلوماسية طلب مواعيد لتسليم الدعوات ويتحرك المبعوث الرسمي الى البلد المعني متى تم تحديد موعد للقاء رئيس الدولة المعنية إذ من الضروري أن يتم تسليم الدعوات إلى المعنيين مباشرة. والمهم أكثر من توقيت تسليم الدعوة هو الشخص الذي يتولى تسليمها وأن يكون وزير الخارجية كما تم مع الرئيس المصري فذلك يعني الأهمية القصوى التي تعطيها القيادة التونسية لهذا البلد الشقيق ولرئيسه. نعرف جيدا المستوى الرفيع للعلاقات الأخوية الودية والعميقة التي تربط تونس بمصر والتي جعلت البلدين والشعبين يعيشان على مدى العصور في تناغم تام فما يحدث في تونس نجد له صدى في مصر وما يجري على أرض الكنانة لا بد أن يكون له وقع في تونس الخضراء. و بالطبع كما يجري في الأسرة الواحدة وبين الإخوة الأشقاء يحدث أن تقوم اختلافات أو مشاحنات و لكنها لا ترتقي إلى الخلافات الدائمة إذ سرعان ما يقع تذليلها و تعود المياه إلى مجاريها كأن شيئا لم يكن. وقد حدثت هذه الاختلافات في عهد الزعيمين الكبيرين الحبيب بورقيبة وجمال عبد الناصر لأنهما شخصيتان من طراز خاص لكل منهما مرجعيته الفكرية وإكراهاته الوطنية أو القومية، ولكن الخلاف لم يفسد للود قضية بين البلدين والشعبين. على مدى العقود الماضية ارتقت العلاقات بين البلدين إلى أعلى مستوياتها من خلال التشاور السياسي المتواصل بين القيادتين ومن خلال الاجتماعات الدورية السنوية للجنة العليا المشتركة التي يترأس اشغالها بالتوالي في العاصمتين رئيسا الحكومتين. وهنا لا بد أن نذكر أنه في حين انعقدت الدورة السادسة عشرة لهذه اللجنة العليا في القاهرة في نوفمبر 2017 فإن الدورة الموالية التي من المفروض أن تنعقد في تونس في أواخر السنة الماضية لم تنعقد في موعدها وقد ذكر البلاغ الذي أصدرته وزارة الشؤون الخارجية في أعقاب لقاء خميس الجهيناوي بنظيره المصري سامح شكري خلال هذه الزيارة الأخيرة للقاهرة أن الوزيرين اكدا على أهميّة مزيد تطوير مختلف أوجه التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين وعلى الإعداد الجيّد للدورة 17 للجنة العليا المشتركة التونسية المصرية المزمع عقدها بتونس خلال الثلاثي الأول من سنة 2019. للتذكير فقد انعقد في القاهرة في 12 أوت الماضي اجتماع لجنة المتابعة الوزارية للجنة العليا المصرية التونسية المشتركة، وذلك برئاسة سحر نصر، الوزيرة المصرية للاستثمار والتعاون الدولي وعمر الباهي وزير التجارة التونسي وقد أبرزت الوزيرة المصرية بالمناسبة" أن اللجنة العليا تعتبر آلية مُثلى لدعم أواصر التعاون المشترك، ولكن على الرغم من المستوى الجيد من العلاقات الثنائية بين بلدينا الشقيقين فإن طموحنا ورغبتنا في دعم وزيادة هذه العلاقات غير محدود" حسب قولها. وقد كشفت الوزيرة المصرية بالمناسبة أن الاستثمارات التونسية في مصر قد بلغت 802 مليون دولار خلال عام 2018 أي أكثر من 2مليار دينار تونسي والتي تعكس نشاط 312 شركة في قطاعات الخدمات والصناعة والسياحة والزراعة وهو ما يدعو في رأيها إلى إنشاء مجلس تنسيقي للتعاون الاستثماري المشترك يضم رجال الأعمال والمستثمرين بين البلدين، وسوف يتناول المجلس خلق أوجه تعاون استثماري مشترك بين البلدين في قطاعات الحفر والتنقيب، والتطوير العقاري والسياحي، وقطاع الخدمات المالية، وأيضاً تشجيع آلية الشركات المشتركة بين البلدين سواء بمساهمات حكومية أو من خلال تشجيع القطاع الخاص للقيام بمبادرات في هذا الخصوص، وكذلك استغلال توافر الأطر القانونية والتشريعية المُحفزة على الاستثمار لتمهيد الطريق أمام المستثمرين ورجال الأعمال من البلدين للقيام بدورهم في تنفيذ خطط التنمية وإذ يعني ذلك توفر إمكانيات واسعة للتعاون والتبادل بين البلدين فلا بد من رعاية هذه العلاقات و تطويرها و كذلك تأطيرها بالشكل الذي يمكن من حسن استغلال الفرص التي توفرها. وفضلا عن ذلك فإن التشاور السياسي بين القيادتين أمر يكتسي أهمية بالغة باعتبار أنهما يواجهان قضايا إقليمية ودولية مشتركة ومنها الوضع في الدولة الجارة لكليهما ونعني بها ليبيا. وقد اتفق الوزيران في هذا السياق على ضرورة تحديد موعد للاجتماع القادم لوزراء خارجية دول الجوار الرئيسية الثلاث تونس ومصر والجزائر لدعم التشاور والتنسيق بخصوص دعم الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية توافقية شاملة تمكن من إعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد الشقيق. أثناء لقائه بالرئيس السيسي جدد وزير الخارجية الدعوة الموجهة له من رئيس الجمهورية لأداء زيارة إلى تونس لافتا إلى أنها ستمثل مناسبة مهمة لدعم أواصر الأخوة والتعاون بين البلدين الشقيقين، وقد أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن مشاعر تقديره لنظيره التونسي منوها بالزيارة الناجحة التي أداها إلى القاهرة خلال السنة المنقضية. وأكد في هذا السياق حرصه على تلبية دعوة الرئيس الباجي قايد السبسي لزيارة تونس في أقرب فرصة. الأمل يبدو قائما لتتم هذه الزيارة قريبا مما سينهي لغطا غير مقبول حولها إذ لا حق لأي طرف سياسي من أن يتدخل في خيارات تونس الخارجية التي تبقى اختصاصا حصريا لرئيس الجمهورية حسب منطوق الدستور وروحه.