قبل حلول موعد 17 جانفي، موعد اضراب قطاعي الوظيفة العمومية والمنشآت العمومية، برزت المخاوف من عودة سيناريو الخميس الأسود في 26 جانفي 1978 حيث نزفت دماء النقابيين وسقط شهداء واعتقلت السلطة قيادة الاتحاد إثر تصاعد الخلاف معها. تونس الشروق إلا أن نجاح سلمية إضراب 17 جانفي أبعد وبشكل نهائي شبح سيناريو 78 وذلك بسبب تغير معطيات كثيرة لعلّ أبرزها وجود دستور يضمن حق الاضراب ووجود نظام ديمقراطي فرضته دماء الشهداء ذات جانفي 2011. 17 جانفي كان خميسا أبيض منحته الطبيعة دفئ الشمس وزهو الطقس أما خميس 26 جانفي الأسود فقد ولّى دون عودة: مسعود الرمضاني رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تغيّر الظرف ففي 1978 كانت هناك سلطة دكتاتورية وكانت هناك حرب خلافة موجودة على بورقيبة كما انه في ذلك التاريخ تدخّل الجيش لقمع المتظاهرين. وكانت هناك نيّة آنذاك للنظام البورقيبي ومجموعة السلطة آنذاك لضرب الاتحاد لانه أصبح قوة صاعدة في البلاد فمنذ بداية السبعينات بدأت القوى يسارية تنضم الى الاتحاد وبدات منظمة الشغيلة تخرج من بين يدي السلطة ومع زيادة الأسعار واقرار قانون 72 الذي يسمح بالتصدير الكلي ومزيد تدهور الأوضاع الاقتصادية توفرت العوامل الداعمة لاستقلالية المنظمة وقد كانت السلطة تحضر اجتماعات الهيئات الإدارية وكان الأمين العام الحبيب عاشور عضوا في اللجنة المركزية للحزب الدستوري. كما بدأت جريدة الشعب الناطقة باسم الاتحاد تخرج من الجوقة العامة للصحافة وتتحدث عن الشغّالين وعن المقدرة الشرائية وبدأت «حربوشة» محمد قلبي تحصد أعلى نسب القراءة ثم جاء المؤتمر 14 للاتحاد أواخر 1977 والداعم لاستقلالية السلطة فتكرّست القطيعة بين عاشور واللجنة المركزية وبالتالي في 1978 كانت معركة استقلالية الاتحاد عن السلطة اما اليوم فالمنظمة مستقلة ويأتي الاضراب في ظرف معيّن وهو وجود الحكومة بين نارين نار المطالب المشروعة ونار الدوائر المالية المطالبة بالإصلاحات ومنها تجميد الأجور. وعموما سيناريو 1978 لن يعود فالظرفين مختلفين في تصور السلطة وقوتها وامكانياتها وحتى الاتحاد نفسه الظرفية تختلف فهو كان آنذاك قوة صاعدة في مواجهة سلطة قوية اما اليوم فهو قوة امام سلطة غير قادرة على ان تتخذ أي اجراء أحمق ولكن اذا تمترس الجميع خلف تصوراتهم فان مستقبل البلاد هو الخاسر الحقيقي. عبد اللطيف الحناشي مؤرخ ومحلل سياسي هذا ليس اضرابا عاما وهو مختلف في المضمون وفي الشكل عن اضراب 1978 فهو شمل قطاعين يمثلان العمود الفقري للاتحاد والظرفية تختلف جدا فنظام 78 كان استبداديا وكان الاتحاد جزء من السلطة وقيادات الاتحاد كانت في الديوان السياسي وفي اللجنة المركزية للحزب الحاكم وحتى على المستوى الإقليمي كانت هناك خلافات مع ليبيا اما اليوم فانه صحيح ان الاحتقان السياسي موجود والاحتقان الاجتماعي موجود ولكن في نظام ديمقراطي والاضراب هو حق دستوري. صحيح ان كل الأطراف كانت تخاف أي انحراف بسبب وقوع احداث هامشية من قبل مجموعات إجرامية او مجموعات تهريب او غيرهم ولكن السلطة وخاصة وزارة الداخلية كانت مستعدة وكانت هناك يقظة أمنية. لا أحد يشك في انه اضراب من الحجم الثقيل ولكن اصبح للمجتمع التونسي تقاليد في الإضرابات. وفي 78 كانت هناك خلافات عميقة في الحزب ومع الاتحاد اما اليوم فان الخلافات في الظاهر على الأقل هي خلافات اجتماعية والفارق ان الاضراب له كلفة اقتصادية هامة وقد وقع في إطار سلمي وأمني وأمان وهذا يعبر على وعي الاتحاد وانه قادر على التعبئة والتنظيم. يسرى فراوس رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات كانت هناك حملة متواصلة ضد كل التحركات الاحتجاجية سواء تلك التي يخوضها الاتحاد او تخوضها الحركات الاجتماعية وهي حملات شيطنة تمتد على سنوات ومنها الربط بين الاحتجاج والإرهاب ووصف المحتجين بالمشاغبين وحملات الاعتقال في صفوف المحتجين الشباب مثل حركة «مانيش مسامح» والتي تعرضت الى كل انواع الشيطنة سواء من قبل أصوات داخل الحكومة او أصوات إعلامية او اصوات خبراء محللين يرهبون الناس من الاحتجاجات. لكن اضراب اليوم اكد ان النقابيين هم عنوان للانضباط في صراعهم مع صندوق النقد الدولي في معركة السيادة ليس هناك تغيّر كبير فنفس الأصوات المشبوهة ما تزال لكن النقابيات والنقابيين اثبتوا انهم صوت واحد وصف واحد. فالسلطة كانت في 1978 في حالة تهرئ وهجمتها طالت الاتحاد والجامعة ايضا (حركة العامل التونسي) وكانت فترة الانزلاق الاخطر في نظام حكم بورقيبة. اما اليوم فالوضع مختلف إذ ليس هناك ميليشيات في البلاد الى حدود 9 افريل 2012 و4 ديسمبر 2012 على الأقل ولو ان ملف التنظيم السرّي لحركة النهضة لم يتضح بعدُ ولكن عموما ليس لنا ميليشيات اليوم والتحية للنقابيين لأنهم بينوا انهم صف واحد واتحاد اليوم لا أهمية له سوى طاولة المفاوضات واذا تعاملت الحكومة بسياسة التسويف فان الاحتكام يكون للشارع.