انتخاب مجلس النواب أول أمس لرئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وسدّ الشغورات الحاصلة بها يشكّلان بلا شك رسالة إيجابية في مناخ سياسي مرتبك وملبّد بغيوم المناورات والمساومات والحسابات الموغلة في تغليب المصالح الذاتية على المصلحة العامة. ذلك أن تصويت مجلس النواب على هيئة الانتخابات قد جاء ليضع حدا لحالة «العطالة» التي أصابت هيئة تعتبر بلا شك مكسبا من مكاسب الانتقال الديمقراطي بما يعيد إلى السطح شعورا بالمسؤولية نرجو أن يكون هو القاعدة وأن تتصرف على أساسه الطبقة السياسية. ولا شكّ أن استكمال تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يقطع مع كل المخاوف والشكوك التي أحاطت بموعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية. إذ أصبح بالإمكان أن تجري هذه الانتخابات في موعدها واعتماد التوافق أسلوبا لاستكمال تركيبة الهيئة يمثل أيضا رسالة تؤكد على ثقة أهم العائلات السياسية الحاضرة في البرلمان وفي من وقع انتخابهم. وهو ما يعني أن توقّع النزاهة والشفافية في هذا الموعد الانتخابي هو الأساس، الذي لا نخال أن شخصا أو حزبا في تونس يقدر فيه على التلاعب بإرادة الناخبين. قد نكون للأسف أضعنا الكثير من الوقت قبل إتمام تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهو ما من شأنه أن يغذّي نزعة العزوف. ولكن نأمل أن يقع تمكين التونسيين من موعد استثنائي للتسجيل في القائمات الانتخابية لأن المشاركة السياسية هي الضمانة الحقيقية لقطع الطريق أمام أي شكل من أشكال العودة إلى الوراء. بعض المولعين بمحاكمة النوايا قد يعتبرون أن انتخاب نبيل بفون رئيسا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد يساهم في خدمة بعض الأحزاب أو قد يقع توظيفه في الصراع المتواصل بين القصبة وقرطاج في حين أن القراءة السليمة والموضوعية تشير إلى أن تونس قد قطعت بحسمها في تركيبة هيئة الانتخابات خطوة مهمة على طريق تجاوز حالة التردّد والارتباك التي تعيشها في الأشهر الأخيرة والتي يمكن أن تؤدي لو استمرت، إلى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة وإلى عزوف انتخابي وقطيعة تامة بين الرأي العام والنخبة السياسية. لقد أكّدت المصادقة على هيئة الانتخابات أن المشكل القائم اليوم ليس مشكل قرار بل هو مشكل وعي وإرادة وأن الحلّ ممكن متى حضر الوعي الوطني وروح المسؤولية. ولا شكّ أن حضور هذه الروح وهذا الوعي بات أكثر من ضروري اليوم للبدء في حسم تركيبة المحكمة الدستورية.. فبهذا المنطق نعيد إلى مجلس النواب دوره واعتباره الحقيقيين لأداء مهمته الطبيعية في هذه المرحلة بالذات.