تنفس كل التونسيين مساء أمس الصعداء بعد أن توصلت الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل الى اتفاق سينهي الأزمة الخانقة التي يعيشها التعليم الثانوي ويبعد نهائيا شبح الإضراب العام الذي كان مقررا هذا الشهر في الوظيفة العمومية و المؤسسات شبه العمومية . لقد أنهى التوصل الى اتفاق حالة لم يسبق أن عاشتها تونس الحديثة بلغت معها العلاقات بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل مرحلة اللاعودة و القطيعة الهيكلية. وهدّدت بانهيار التوازنات الهشة التي تحكم مرحلة الانتقال الديمقراطي في ظل تعاظم المخاوف من سنة بيضاء ومن إضراب عام جديد في قطاع الوظيفة العمومية. ولا شك أن منطق الأشياء يفرض بكل تأكيد الى جانب التعبير عن الارتياح التوجه بعبارات الثناء إلى رئيس الحكومة والوزراء من جهة والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وأعضاء المكتب التنفيذي الذين ساهموا في نزع فتيل الاحتقان وغلبوا منطق الحوار وفتح الباب أمام قراءة هادئة لمرحلة التوتر والاحتقان التي عاشتها البلاد فترة طويلة نتيجة الأزمة التي ضربت العلاقات بين الحكومة و الاتحاد . لن نتوقف عند التكلفة المالية للاستجابة للمطالب المادية للأساتذة ولأعوان واطارات الوظيفة العمومية لأننا نعتبر أن هذه الزيادات تمثل شكلا من أشكال تعديل الأجور في ظل ارتفاع الأسعار و التضخم المتزايد و حافزا للجميع للانصراف الى العمل من أجل الارتقاء بالمردود والإنتاجية خاصة أنّ للوظيفة العمومية والتعليم دورا هاما في مسار التنمية ومكانة رمزية لا تخفى على أحد. وما يعنينا أكثر اليوم أن هذا الاتفاق يجب أن يفتح الباب أمام أشكال جديدة يتعين اجتراحها لإنقاذ تونس في هذه المرحلة الحرجة بما من شأنه أن يبقي صورة منظمة حشاد ناصعة في وجدان التونسيين و التونسيات . ويقينا أنّ انفراج الأزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة يدفع الى التفكير في آليات التفاوض المعتمدة من الطرفين و التي ساهمت في توتر الأجواء الاجتماعية مما تسبب في هدر كبير للوقت والجهد وتوتير مجاني للمناخ المجتمعي. وهو ما يفرض الاستعاضة عنهما بأسلوب جديد لأن المفاوضات أصبحت علما قائم الذات. و لن تكون مجدية في تصورنا دون توفر شروط تؤطرها. لقد تأكدت الحاجة الى عقد مجتمعي شامل يحدّد نمط التنمية الذي يتوافق التونسيون حول العمل من أجل تكريسه والى تحديد آليات و مراحل بلوغه مع ما يفرضه ذلك من تصور لحقوق كل طرف اجتماعي و واجباته والتضحيات المتبادلة التي يتعين تقديمها لضمان ديمومة النموذج و ضمان حقوق الأجيال القادمة . ولا يمكن تصوّر عقد اجتماعي مستقر دون شفافية في المعطيات لأن ذلك يمنح الجميع مصداقية إضافية ويحمل كل التونسيين مسؤولياتهم و يحول دون أي شكل من أشكال التلاعب. ولا شك أنّ توفر هذه المعطيات لا يكفي. إذ نعتقد أن الوقت قد حان لتفعيل مؤسسة ترعى الحوار الاجتماعي وتدعمه وتساهم في توفير مادة هامة له لأنّ الحوار ليس مجرد شعار أو نوايا قد تكون سيئة أو طيبة حسب رغبة البعض أحيانا. بل هو سياسة تحتاج الى مؤسسات وآليات تجعله عنصر استقرار للمجتمعات وتقدمها.