زياد الجزيري اسم يَسكن قُلوب التونسيين بعد أن شَرّف «المَريول» ودافع عن المنتخب بقلب «المُحارب» في رحلة القَبض على الكأس الإفريقية عَام 2004. زياد الجزيري المعروف أيضا بِكُنية «الكُوبرا» كَان عُنوانا للرّوح القِتالية ومازال نَجما سَاطعا في السّاحة الكُروية والبلاتوهات التَحليلية التي لم تُفقده حَاسته الهُجومية و»لَدغاته» القَوية حتى وإن تعلّق الأمر بأقرب المُقرّبين وهذا ما سيتأكد في الحوار السّاخن والجريء الذي أدلى به بطل 2004 ل «الشُروق». * في البَدء هل يَعني لك شهر فيفري شيئا أم أن الأيّام والأشهر عندك تَتشابه؟ لن نُبالغ في شيء إذا قلنا إن الكرة التونسية عاشت يوم 14 فيفري 2004 أحد أعظم أفراحها إثر التَتويج بالكأس الإفريقية للمرّة الأولى بفضل عزيمة الرجال ودعم الجمهور والإعلام والأمن وكلّ المواطنين من بنزرت إلى بن قردان. وقد تَسقط من الذاكرة الرياضية العَديد من الأحداث لكن من المُستحيل أن تمرّ تلك «المَلحمة» الكروية مُرور الكرام قياسا ب»طُوفان» الفرح الذي إكتسح كَامل ربوع الجمهورية في ذلك اليوم المَشهود. * ما المطلوب ليقتفي هذا الجِيل أثركم ويُحقّق الكأس الثانية؟ قد يقول البعض إنّ جِيلنا كان يتمتّع بالمَهارة ويقوده مدرب كبير وهو «رُوجي لومار» فَضلا عن وجود مُسيّر قدير بحجم حمّودة بن عمّار لكن كلّ هذه الخِصال لم تكن العَامل الوحيد لنيل اللّقب الغَالي. وأعتقد أن الحَافز الأكبر والأبرز يَكمن في حب «المَريول» واللّعب بقلب رجل واحد حيث ذَابت كلّ الألوان لنتّحد جميعا تحت راية المنتخب ومن خَلفنا جمهور من ذهب ومعه الصّحافة الرياضية التي أشعلت بخِطاباتها حَماسنا وجعلتنا نُحوّل المُستحيل إلى مُمكن ورغم نقائصنا الفنية الكبيرة فقد كنّا نشعر بأنّنا «مَارادونات» الكُرة. وبناءً على ما تقدّم أظن أن تِكرار الإنجاز يَبقى من الأماني المُمكنة شرط تنقية الأجواء وتصفية القلوب وخلق اللُحمة والتَماسك بين كلّ اللاعبين بغضّ النّظر عن جَمعياتهم ولُغاتهم ويَستحضر الجميع العطاء الغزير ل»سَانطوس» في «كَان» 2004 وذلك بفضل التأطير الجيّد والإدماج السليم ولو لا اسمه لَمَا تفطّن أيّ شخص إلى أنّه برازيلي المَنشأ مِثله مِثل رفيقنا الآخر في تلك «المَلحمة» وهو «كلايتون». وأنا على إقتناع راسخ بأن الجيل الحَالي لا تُعوزه الإمكانات والمَهارات لإحراز الكأس الإفريقية على هَامش النهائيات المُرتقبة في مصر (بين 21 جوان و19 جويلية 2019). لكن هذا الحلم رَهن التَحضير المُحكم وإزالة «الجَدار العَازل» بين المنتخب ومَالكه الأًصلي والفِعلي وهو الجمهور التونسي. المسؤولية مُلقاة على عاتق الجامعة والمدرب «ألان جيراس» لإستعادة ثقة النَاس ومدّ جسر الودّ مع وسائل الإعلام والجمعيات المُموّنة ل «النسور» بحكم أنّه لا نجاح طالما أن الأجواء مشحونة بين العائلة المُوسّعة للفريق الوطني. ومن واجب الصّحافة الرياضية أن تَدفع نحو تحسين الأجواء عشيّة «الكَان» على أن يُبادر المُشرفون على المُنتخب بتأكيد رغبتهم في الإنفتاح على كلّ الجهات الفَاعلة في مُحيط «النُسور». * هل تَعتقد أن «جِيراس» هو المدرّب الأنسب لتحقيق الهدف المطلوب؟ ما أعرفه أن «جِيراس» لاعب كبير وهذه الصّفة من شأنها أن تَضمن السيطرة على النُجوم وحُسن التواصل مع كلّ الجِهات المَعنية بنشاط المنتخب الوطني ومن المُستبعد أن يسمح الرّجل بالتدخّل في شُؤونه الفنية ويفرض المَنطق أن يكون سيّد نفسه. ومن المُلاحظ كذلك أن قُدوم «جيراس» سَاهم إلى حدّ ما في التَخفيف من مَوجة الإنتقادات وهذا الأمر من المَظاهر الإيجابية قياسا بحاجة الفريق إلى العَمل في أجواء عَادية قبل فترة وجيزة من النهائيات الإفريقية لكن هذه «الهُدنة» غير مضمونة وقد تكون «مُؤقتة» بحكم أن القَاصي والدَاني على عِلم بأن الجماهير التونسية والصّحافة الرياضية ستتفاعل بالإيجاب أوالسّلب بناءً على النتائج الميدانية في الإختبارات الودية والإمتحانات الرسمية المُنتظرة. * المَعروف أن المنتخب هو «زبدة» المنتوج الكروي التونسي الذي تَبقى البطولة أيضا من «أعمدته» الأساسية. فكيف تَنتظر إلى المستوى العَام لما يُسمّى ب»الرّابطة المُحترفة الأولى»؟ المُستوى الحَالي مقبول في إنتظار أن يَرتفع النَسق ويشتدّ التَنافس في الجولات القادمة خاصّة في ظلّ الصِّراع القَوي على اللّقب بين الترجي و»السي .آس .آس» وبنزرت والنّجم. ورغم أن بعض التَرشيحات تُرجّح كفّة «الحِيتان الكبيرة» للتربّع على عرش الكرة التونسية فإن «قرش الشّمال» يملك من وجهة نظري كلّ المُؤهلات الضرورية ليدافع بشراسة عن حقّه المشروع في الزّعامة المحلية ولابدّ من التَنويه بالعمل المُمتاز الذي أنجزه المدرب منتصر الوحيشي. ومن جَانبه، أظهر الترجي نجاعة كبيرة ولاشك في أنّه قادر على الأفضل خاصّة إذا عَالج النّقص الموجود على مُستوى صُنع اللّعب ويعرف الجميع أن بقير عنصر محدود الإمكانات ومن الضّروري تدعيم هذا المَركز ب»كَوارجي» من الطّراز الرفيع. هذا وأظهر النادي الصّفاقسي إصرارا كبيرا على إنتزاع اللّقب الذي يظلّ من الأحلام المُمكنة في بوجعفر إذا تمكّنت الجمعية من الإقلاع في بقيّة المشوار. * يَرى البعض أن جزءً من اللّعبة تُحرّكه الكَواليس والصّافرة التَحكيمية. فهل تُؤكد أم تُفنّد هذا المَوقف؟ هذا الكَلام لا يَخلو من الصِّحة. وسيكون من الزَّيف أن نُنكر التجاوزات التحكيمية والتأثيرات «الخَفية» على سَير النشاط الكُروي ونُطالب في هذا السّياق جميع الحكّام والمساعدين بأن يُحكّموا ضَمائرهم ويَحفظوا حقوق كلّ الجمعيات في القمّة والقاع. والأمل كلّه أن يستفيد الجميع من فضيحة يسري بوعلي في لقاء الترجي وتطاوين ومن المُؤكد أن هذه الهفوة التحكيمية القَاتلة قد تكون عِبرة لمن يَعتبر. ونَتمنّى من أعماقنا أن تُحسم المُباريات في الميدان وأن تكون الغَلبة للأقوى والأجدر لا أن يقع تَحويل وِجهة الإنتصارات ورُبّما البطولة نفسها على يد بعض الحكّام «الظَّالمين». * بالتوازي مع شَطحات التَحكيم، تَوجّهت أصابع الإتّهام لبعض وسائل الإعلام التي «اخترقتها» أجهزة «المَنظومة» فهل أن هذه «الشُبهة» ثَابتة؟ مَعرفتي الجيّدة بكواليس الكرة التونسية والتَناول الإعلامي للأنشطة الرياضية تجعلني أؤكد بصوت عَال بأن بعض الجمعيات والجِهات الفاعلة في المَشهد استطاعت تركيز «مَاكينات» تُدافع عن مَصالحها وتوجّهاتها وهذا الأمر يفرض علينا جميعا أن ندقّ نَاقوس الخَطر. ومن الضَّروري أن تُحافظ الصّحافة على إستقلاليتها وأن تَقف على نَفس المَسافة من كلّ الأطراف. * وهل تَستجيب تحاليلك الفنية لشروط الإستقلالية والموضوعية؟ آرائي حُرّة نابعة من قَناعاتي كلاعب يَنطق بما يَراه في الميدان وذلك بغضّ النّظر عن اسم المسؤول أوالفريق مَحلّ النِقاش. وقد عَاهدت نفسي على الإصداع بالحَقيقة في البلاتوهات التَحليلية حتّى وإن تَعلّق الأمر بأقرب النّاس. * كلامك عن «ذَوي القربى» يَنفذُ بنا إلى ملف علاقتك المُتصدّعة مع هيئة النجم بقيادة شرف الدين الذي صَنّفك ضمن «المُوظّفين» العَابرين على أولمبي سوسة. فكيف تُعلّق على هذا الأمر؟ أشعر بحسرة كبيرة وصَدمة شديدة إزاء الظُّلم الصّارخ الذي تعرّضت له على يد الرئيس الحالي للنّجم السّاحلي. فقد هَاجمني الرّجل بطريقة غريبة في إحدى الإذاعات وتمّ مَنعي من الردّ على مُغالطاته في المَنبر نفسه وقد حَاولت جَاهدا تَفادي «الصِّدام» مع شرف الدين إحتراما للجمعية التي لها أفضال على الجميع والتي تظلّ مَصلحتها فوق كلّ الإعتبارات. ورغم صَبري الكَبير على هُجومات شرف الدين فإنّه للصّبر حدود وقد وجدت نفسي مُكرها على تَقديم الإيضاحات لإنارة أنصار «ليتوال» والجماهير الرياضية بصفة عامّة. وقد كان خِطابه مُوجعا ومُهينا خاصّة عندما أصرّ إلحاحا على تَصنيفي في خَانة «المُوظّفين» في حين أن القَاصي والداني على دراية بأنّني خدمت الجمعية من مَنصبي كمدير رياضي دون أن أجن فَلسا واحدا لمدّة ثلاثة أعوام. هذا قبل أن تَتغيّر المُعطيات في مرحلة مُوالية وتشهد العلاقة التعاقدية بعض التَعديلات وهو أمر طبيعي بحكم أنّني تَفرّغت بالكَامل لمَهامي في النادي وبلغة أدق أصبحت مُديرا رياضيا «مُحترفا» لا «مُتطوّعا». «الوجيعة» كانت أكبر بعد أن اقتصر هُجوم شرف الدين على حكايات فارغة مِثل الجَوانب المالية وتُهمة النّوم إلى ما بعد العاشرة صباحا (ضَاحكا). في حين أن القريب والغَريب على علم بما قدّمته للجمعية في منصبي كمدير رياضي فقد كَدّسنا الألقاب وتركتُ منصبي بعد أن بَلغت «ليتوال» المربّع الذهبي لرابطة الأبطال وسَاهمنا فضلا عن ذلك في إجراء تَعاقدات ضَخمة ومُثمرة. وتُؤكد الأرقام التي لا تَكذب أن الأقدام التي قُمنا بإنتدابها أنعشت الخزينة وقد تَصل المداخيل المُتأتية من مَبيعات اللاعبين إلى حدود ثلاثين مليار (الجزائري بغداد بونجاح يَتصدّر الصّفقات التي جَنى منها النجم عائدات كبيرة). أمّا الحصيلة العامّة بعد خروجنا فقد كانت مُتواضعة إن لم نقل إنها هزيلة. * من موقعك كلاعب ومُسيّر سابق في النّجم بماذا تُطالب هيئة شرف الدين؟ المعروف أن أي رئيس يَنال شرف قيادة النّجم يكون أمام حَتمية الفوز بالألقاب وإن أخفق في «صَيد» البطولات والكؤوس فما عليه إلاّ أن يُقرّ بفشله وينسحب من منصبه. ومن المُؤكد أن مكتب شرف الدين على دراية تَامّة بأن جماهير الفريق نفد صَبرها ولن تَتحمّل خسائر جديدة ومن الضروري أن تعود «ليتوال» إلى مِنصّات التَتويج وفي صُورة المُرور بجانب الحدث فإنّ المنطق يفرض التَغيير. وفي الأثناء لابدّ من التنبيه إلى أمر آخر خطير وهو سَعي بعض الأطراف إلى تكريس عادات غريبة عن النجم ويُمكن أن نَختزل هذه «الثَقافات» الدخيلة في التَقليل من شأن الخَيبات المُتعاقبة والألقاب الضَّائعة. ويُخطىء من يَعتبر أن الإنهزام أمام «السي .آس .آس» والرجاء ثمّ الوقوع في فخّ التعادل في بوركينا فاسو أمرا عَاديا. * أيّ دور ل»لومار» في رحلة إستعادة الأمجاد والأفراح؟ «لُومار» مدرّب كبير وقد عَاصرته عندما كُنت لاعبا في المنتخب ومَسؤولا في النّجم. ولديّ رأي سأقوله وإن كُنت على يَقين بأنّه قد لا يُعجب الكَثيرين. وأظنّ أنّ الداء يَكمن في الزاد البَشري لا في المُدرّب. وقد بَان بالكَاشف بأن المجموعة الحَالية تَتمتّع بإمكانات محدودة ومن الواضح أن النّجم دفع غاليا ضريبة الاستراتيجيات الارتجالية على صَعيد الإنتدابات. فلا أحد فَهم مَثلا لماذا جاء الشيخاوي؟ ولماذا تمّ تسريح مرعي؟ وتَطرح الخَيارات العامّة في الفريق إشكالية أخرى تَكمن في غياب مسؤولين يفقهون الكرة ومُتطلبات اللّعبة. ومن المفروض أن يكون «لومار» مُحاطا بأبناء الميدان مِثله مثل الرئيس شرف الدين الذي يراهن على أشخاص لا صلة لهم بالمَجال. وحتّى المُدير الرياضي عماد المهذبي لم يفرض إلى حدّ الآن نفسه وأطالبه شخصيا بمُمارسة صَلاحياته وإظهار قُدراته ولاشك أنّه ليس في حاجة إلى من يُذكّره بأنه سيكون في صفوف الأمامية للجِهات التي «سَتُحاسبها» الجماهير عند نهاية الرِّهانات المحلية والدولية. * بم تَختمُ الكلام؟ أتمنّى النّجاح للمنتخب والنجم مع التأكيد على أن جبّة المُحلّل جعلتني أتخلّص بصفة تدريجية من قيود الإنتماءات الضيّقة وهوما يُساعدني على نَقد المشهد بموضوعية عَالية. ولا يَفُوتني في الخِتام أن أعبّر عن تعاطفي الكبير مع حارسنا الدولي السابق شكري الواعر وأعلن عن مُساندتي له في «مِحنته» الحَالية. ولاشك في أن حاثة إيقافه لن تُجرّده من ألقابه وبُطولاته ويَبقى الرجل أحد «أساطير» كُرتنا. زياد الجزيري في سطور مُهاجم دولي سابق لعب لفائدة النّجم السّاحلي إحترف في تركيا وفرنسا والكويت بطل إفريقيا مع المنتخب (14 فيفري 2004) شَارك في مُونديالي 2002 و2006 شارك في كأس القارات عام 2005 مدير رياضي سابق في النّجم يشغل الآن خطّة مُحلّل فني في قناة «التَاسعة»