منذ بداية السنة الدراسية الحالية والعائلة التونسية تعيش علي وقع تتالي المحن والمصائب والفواجع بأنواعها وألوانها وتتلقى الضربات القاضية تحت الحزام من جرذان ما انفكت تنفث سمومها وتنشر فيروساتها كيفما اتفق. فبعد هاجس السنة البيضاء وما خلّفه من هلع على مستقبل فلذات أكبادنا من ضياع مجهودات سنة دراسية كاملة وما تكبّده للعائلات من مصاريف تستنزف الجيوب وتنخر ميزانياتها التي يذهب نصفها لدروس التدارك المفروضة فرضا على التلاميذ جاءت المصيبة الثانية المتمثلة في انتشار علكة الدلفين السامّة التي دخلت البلاد عن طريق التهريب والتجار الجشعين بالأسواق الموازية مما تسبّب في تسمّم عشرات الأطفال من التلاميذ بمختلف ولايات الجمهورية بغض النظر عن ظاهرة استهلاك المخدرات بالوسط المدرسي هذه الآفة الجديدة التي باتت تؤرق الأولياء وتهدّد مصير أولادنا. بعدها عاشت بعض العائلات كابوس جريمة رهيبة من الوزن الثقيل وهي ما كان يحصل لأبنائها داخل محتشد الرقاب وما أدراك ثم جاء الخبر القنبلة والفاجعة الصحية المتمثلة في إعدام بالجملة ل15 ملائكة رضعا بمركز توليد بالعاصمة فما بالك بما يحصل داخل الجمهورية كان أمرّ وأعظم نتيجة الإهمال وموت الضمير المهني مما هزّ الرأي العام الوطني متسبّبا في حرقة ولوعة عظيمتين لعديد الأسر والمجتمع بصورة عامة. إذ صار الداخل للمستشفى في تونس مفقودا والخارج منه مولودا فمن يقدر أن يتكهن بمصيره بعد رحلة تعيسة للعلاج أن يخرج سالما أو حاملا لإعاقة مستديمة أو أحيانا محمولا في صندوق جرّاء جرعة زائدة في البنج أو خطأ طبّي وما أكثرها أخطاؤهم التي تأخذ للجلاز مباشرة. فمن ينكر أن قطاع الصحة معلول أو بالأحرى يتنفس اصطناعيا من تعدّد التجاوزات الصارخة في معاملة المرضى والفساد المتفشي والأخطاء الطبية في ظل غياب المحاسبة والصرامة اللازمة فهل نسينا قضية اللوالب القلبية منتهية الصلوحية والبنج الفاسد؟ أين هي نتائج التحقيق بعد أكثر من عامين؟ بعد الفاجعة الصحية جاءت الطامة الكبرى التي قطعت شعرة معاوية في العلاقة المهزوزة أصلا بين الأولياء والمعلمين والأساتذة خاصةوالتي كذبت مفهوم أحمد شوقي حين قال: «قم للمعلّم وفهّ البجيلا... كاد المعلّم أن يكون شيطانا رجيما»... كيف لا وبعد الذي اقترفه الزفت مدرّس اللغة الفرنسية بصفاقس باغتصاب 17 تلميذة و3 تلاميذ والعدد مرشح للارتفاع مع تقدم البحث في الفضيحة الصادمة من تحصيل الحاصل ولولا كشف مواقع التواصل الاجتماعي عن هذه الجريمة النكراء في حق أطفال وبنات جاؤوا لطلب العلم فانتهكت حرمتهم الجسدية بوحشية وممّن من جرذ يعد وصمة عار على سلك التعليم لوقع طمسها والتستّر عليها من قبل الجهات الرسمية كعادتهم. أمام هذه الفظاعات الشنيعة برمتها وما لحق تلاميذنا وعائلاتهم من ويلات على مرّ هذه الأشهر العصيبة والمشؤومة ظلت نقابة اليعقوبي والقمودي خرساء صمّاء لم تسمع صرخات التلاميذ وأوليائهم ضحايا مدرسة صفاقس فلم تصدر كلمة عتاب واحدة أو مجرد بيان تنديد أو استنكار مقتضب وهي التي تعودنا أن نراها مدافعا شرسا وصوتا ملعلعا عن منظوريها كلما تعلق الأمر بالزيادة في الأجور والمنح المجحفة أو الترقيات وخفض ساعات العمل وسنّ التقاعد وقانون الحماية من الاعتداءات على بعض المدرسين في حين صمتت صمت الموتى بعد جريمة زميلهم ولم تحرّك ساكنا في موقف مخز غير إنساني ولا يمتّ للرجولة بصلة تذكر؟ فلماذا لم تطالب أيضا بسنّ قانون يحمي التلاميذ من تجاوزات وابتزاز واستغلال مدرسيهم؟ أليس السّاكت عن الحق شيطانا أخرس؟ بعد ذلك نتساءل بغباء عن مشكل الانقطاع المدرسي المبكر عند التلاميذ الذي تقول عنه أرقام وزارة التربية في تصاعد مطرد حيث بلغ العدد السنة الفارطة وحدها 101 ألف تلميذ انقطع عن مقاعد التعليم وأن أكثر من 526 ألف تلميذ انسحبوا على مرّ الخمس سنوات الأخيرة؟ وهكذا نزيد من تعفن المجتمع بتوسّع رقعة الجهل والجريمة والبطالة وإهدار موارد الدولة المفلسة أصلا وذلك عائد بدرجة مهولة للعلاقة المشبوهة بين بعض المدرسين والتلاميذ وسوء طرق وأساليب التعليم التي ترجع لضعف تكوين المدرسين ومحدودية قدر تهم مقارنة بمدرسي جيل العقود القريبة الشيء الذي نفّر تلاميذ اليوم وجعلهم يهجرون الدراسة بلارجعة، بعد الذي جرى من يستهدف طفولة تونس؟ من يريد ضرب الأسرة والمجتمع في مقتل؟ أليست هذه أحد تعليمات الحقير وجدي غنيم عند زيارته المشؤومة لتونس زمن الترويكا حيث صرّح حرفيا: «عليكم بأولادهم... وليموتوا بغيضهم» واللبيب من الإشارة يفهم.