اشتهر المهدي بسماحته وهدوء طبعه، وهو ما طمأن العامة وسرهم ولكن في مقابل ذلك وجد الثائرون في خرسان مطمعا لاسترداد نفوذهم والانتقام لابي مسلم الخرساني، فقامت ثورات متعددة استطاعت الدولة اخمادها ولعل اهمها الثورة التي قادها المقنع الخرساني الذي ادعى الالوهية واسقط فروض الحج والصوم والزكاة واباح الشراكة في الاموال والنساء، فانضم اليه خلق كثير من خرسان وبخارى وسمرقند والاتراك القاطنين على شواطئ بحر قزوين، واعتصم بقلعة يقال لها « كش « . ولم يكن للمهدي من بد الا ملاقاة هذا الحشد الخارج عن الدولة فقاد جيشا قوامه سبعون الف مقاتل وحاصرهم واعمل فيهم السيف وانتهت المعارك بابادتهم ومقتل راس الفتنة المقنع الخرساني. وبعد عامين من ثورة المقنع الخرساني قام الروم بالثورة على حدود الدولة العباسية واستولوا على مدينة مرعش فاحرقوها وابادوا اهلها، فجرد لهم المهدي حملة عظيمة استنفر لها الناس من كل مكان فخرج اليهم في مائة وخمسين الف مقاتل فاخترق الموصل وعسكر في مدينة حلب واتخذها مقر القيادة قريبا من ديار الروم، ثم فرق الجيش الى كتائب شتى جعل على قياداتها، الحسن بن قحطبة، وعيسى بن موسى وعبد الملك بن صالح ويحيى البرمكي، وهنا برز من الاسماء التي لم تكن معروفة ولده هارون وكان شابا في بداية نشأته اراد والده ان يدربه في خوض المعارك ورباطة الجأش . وقد حققت هذه الحملة انتصارا باهرا وابلى هارون فيها بلاء حسنا، جعل الخليفة يكافئه بتنصيبه واليا على ارمينية واذربيجان وما يليها من بلاد المشرق . لم يدم عهد المهدي كثيرا اذ مات وهو في الثالثة والاربعين من عمره وترك تسعة من الابناء وبنتا واحدة وهم على التوالي، أبو محمد موسى الهادي وهارون الرشيد وعبد الله وأمهم الخيزران بنت عطاء. وعلي وعبيد الله وأمهما ريطة بنت أبو العباس عبد الله السفاح. وإبراهيم بن المهدي وأمه شكلة من سبي طبرستان. والمنصور. وإسحاق . ويعقوب ولا تعرف امهاتهم وعلية وتعرف بالعباسة . ولد هارون بالري سنة 149 ه 766 ميلادي وكانت امه الخيزران بنت عطاء ذات نفوذ كبير في الدولة، وكانت الري جزءاً من إقليم الجبال في فترة الدولة العباسية. وكان والده والياً على المدينة. وهناك تربى الرشيد مع أولاد الأمراء والقادة في الدولة العباسية ومع إخوته بالرضاعة الفضل وجعفر أولاد يحيى البرمكي الذي صارت له مكانة عظمى بالدولة العباسية، وفي عام 151 ه وبعد وفاة جعفر الابن الأكبر للخليفة أبو جعفر المنصور عادت أسرة المهدي إلى بغداد، وقد أصبح المهدي ولياً للعهد. وعاش الرشيد طفولة هادئة ومستقرة في ظلّ رعاية والده وجده، وكان ممن تولى تربيته وتعليمه عالم النحو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي الكوفي المعروف (الكسائي)، الذي ظل معه حتى وفاته ثم صار أيضاً معلماً لابن الرشيد محمد الأمين. كما تولى تربيته وتعليمه أيضاً المعلم المفضل الضبي الذي صنف للمهدي كتاب «المفضليات». ودفع المهدي بابنه هارون للتدرب على الفروسية والرمي وفنون القتال، وقال محمد بن علي الخراساني: «الرشيد أول خليفة لعب بالصوّالجة والكرة، ورمى النشاب في البرجاس، وأول خليفة لعب بالشطرنج من بني العباس». يتبع