حين تسأل التونسي عن موقفه من استعمال البلاستيك تلمس فيه مناضلا بيئيا أشرس من جماعة قرين ببس، وفي الواقع، يتمسّك نفس هذا التونسي في الحصول على أكبر عدد ممكن من هذه الاكياس عند تبضعه من المتاجر. والنتيجة، مشهد بيئي مقرف وتلوث تجاوز كل المعدلات... تونس «الشروق»: قد يعتقد التونسيون ان القانون يمنع استعمال أكياس البلاستيك في تونس والحقيقة انه لا وجود لا لقانون ولا عن نص صادر عن السلطة التشريعية. كل ما في الامر أن الحكومة كانت أصدرت أمرا في بداية شهر جوان 2018 يقضي بمنع استعمال الاكياس البلاستيكية تدريجيا بداية من جانفي 2020 في جميع المحلات. ولدفع المصنعين للتخلي عن انتاج هذه النوعية من الاكياس، اتخذت الحكومة ضمن ترتيبات هذا القرار جملة من الإجراءات التحفيزية منها احداث صندوق لتحفيز تأهيل القطاع على مستوى التمشيات المتعلقة بالإنتاج والتكوين والمصاحبة. ورافق هذه الاحداث جملة من المشاكل حول اتفاق يتعلق بميزانيته خاصة وان الدراسة، التي أجراها مكتب دراسات حول قطاع البلاستيك في تونس، اقترحت تخصيص اعتمادات بنحو 11 مليون دينار للصندوق لكن الحكومة اعتبرت المبلغ مرتفعا ويجب تخفيضه الى 4 أو 5 ملايين دينار. ولا نعلم ان كان هذا الصندوق لازال ناشطا ام مثله مثل باقي المشاريع دخل الى غرفة الإنعاش. في الاثناء، هي شركة واحدة من مجموع 46 شركة تعمل في مجال صناعة البلاستيك في تونس تنتج الاكياس البلاستيك القابلة للتحلل. اما البقية فتصنع اكياسا ومواد بلاستيكية منها ما هو ممنوع دوليا بل وتعد مواده الأولية مجهولة المصدر ولا تخضع للرقابة الكافية لحماية المستهلك والمحيط. وبلغة الأرقام، يتم تسويق 4،2 مليار كيس مصنع من البلاستيك من بينها 3 مليار كيس مصنعة محليا و1،2 مليار كيس مورد. سنويا في تونس. تلوّث بلا حدود... إن كانت منظومة التصرف في النفايات البلاستيكية التي تسهر على تنفيذها الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات تتصرف في 73 بالمائة من النفايات البلاستيكية التي يتم رسكلتها حاليا وسعي الوكالة إلى تطوير هذه النسبة إلى 100 بالمائة في حدود عام 2030 فان تأثيرات هذه النفايات على الصحة والمحيط باتت تشكل كارثة حقيقية في تونس. فعلى سبيل المثال، تدمر تونس مياهها البحرية بما يعني ذلك من ثروات بسبب البلاستيك ووفق تقرير أصدره الصندوق العالمي للطبيعة في سنة 2018 فان تونس من بين عشرة دول تتخلص من معظم مخلفاتها البلاستيكية في البحر المتوسط. ورصد التقرير الآثار السلبية للبلاستيك على الكائنات البحرية، مشيرًا إلى أن هناك 344 نوعًا من الكائنات البحرية عثر عليها محاصَرةً بين النفايات البلاستيكية في البحر المتوسط، وبلغت نسبة الضحايا من الطيور (٪35) والأسماك (٪27)، واللافقاريات (٪20) والثدييات البحرية (٪13). أما السلاحف البحرية فقد مثلت النسبة الباقية، وعانت جميعها إصاباتٍ وتشوهات تتعلق بنمو الكائنات وتمنعها التحرُّكَ والهروب، مما يهددها بالموت. وأوضح التقرير أن «معدات الصيد، التي يجري التخلُّص منها في البحر (الخيوط والشباك والفخاخ)، تُلحق أضرارًا بالحياة البرية بمحاصرة الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى وقتلها، وتُعرَف هذه الظاهرة باسم «صيد الأشباح». ويؤكد التقرير أن «نحو 700 نوع بحري مهدد بسبب البلاستيك، ٪17 منها أدرجها «الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة» (IUCN) ضمن قائمة «الأنواع المهددة بالانقراض» ومنها «السلحفاة البحرية ضخمة الرأس». وأضاف أن «الكائنات البحرية تبتلع البلاستيك أحيانًا عن قصد أو غير قصد أو بشكل غير مباشر عن طريق التغذية على الفريسة التي سبق لها تناوُل البلاستيك، منها 60 نوعًا من الأسماك، وثلاثة أنواع من السلاحف البحرية التي تعيش في البحر المتوسط، و9 أنواع من الطيور البحرية و5 أنواع من الثدييات البحرية (حيتان العنبر وأنواع أخرى من الحيتان والدلافين)، حتى إن ٪90 من الطيور البحرية الموجودة في العالم اليوم لديها شظايا من البلاستيك في معدتها، بعد أن كانت النسبة لا تتعدى ٪5 عام 1960». أكياس الورق... وفي تقرير نشر على موقع عمادة المهندسين التونسيين جاء فيه ان شركات متخصصة في صناعة الورق المقوى للف المواد الغذائية القابلة للتحلل، قامت في أعقاب التوقيع على اتفاقية بين الفضاءات الكبرى (كارفور، جيان، مونوبري والمغازة العامة) في تحد جديد للحد من تأثير الأكياس البلاستيكية على البيئة. وتهدف الاتفاقية الموقعة في عام 2016 بين النقابة ووزارة البيئة إلى اقتراح بدائل للتغليف المتاح والأكياس الموجودة بتزويدها بأكياس من الورق المقوى القابلة للتحلل البيولوجي كبديل لأكياس البولي بروبلين المنسوجة وأكياس البولي إيثيلين منخفضة الكثافة القابلة لإعادة الاستخدام. وخلصت الدراسة الى الأكياس الورقية تتحلل بعد شهرين إلى خمسة أشهر فقط، في حين أن الأكياس البلاستيكية يمكن أن تصل إلى مئات السنين لتتحلل. تصنع حقيبة الكرتون من مصادر متجددة مثل ألياف الخشب القابلة لإعادة التدوير بنسبة ٪100 ويمكن صنعها أيضًا من الورق المقوى والكرتون أثناء تصنيع الأكياس البلاستيكية من البترول. وهو مصدر غير متجدد. وتبقى المشكلة قائمة في ظل ارتفاع تكلفة التصنيع اذ على الرغم من قدرتها الإنتاجية بنسبة ٪100، مع إنتاجية تبلغ 75000 كيس في اليوم، مما يقلل التكلفة بشكل كبير مقارنةً بالعمليات اليدوية التي لا يمكن أن تتجاوز 4000 كيس في اليوم، فإن تكلفة أكياس الورق المقوى (470 مليم) للمستهلك النهائي) لا تزال مرتفعة نسبيا، مقارنة مع المنافس الكبير الذي هو كيس البلاستيك. يظل هذا الحل بديلاً بيولوجياً مهماً لا يزال يجد صعوبات خاصة في مواجهة المستهلك وعاداته. وعلاوة على ذلك، يقترح بعض الصناعيين على الدولة تخفيض ضريبة القيمة المضافة على هذا النوع من التعبئة بنسبة تصل إلى 6 ٪ بدلاً من 18 ٪ كمساهمة في هذا التحدي البيئي، مما يجعل من الممكن تشجيع الشركات على الإنتاج والبيع والمستهلك على الشراء. الماء القاتل... قليلة هي الدراسات العلمية التي تم إنجازها في تونس حول المضار الصحية والبيئية للبلاستيك ولكن انكبت منظمة الصحة على البحث في مخاطر الجسيمات البلاستيكية في مياه الشرب المعبأة وذلك بعد دراسة أجريت حول هذا الموضوع أفضت الى وجود جزيئات البلاستيك في عدد من العلامات المائية. وقد حللت الدراسة التي أجرتها Orb Media على ألف زجاجة مياه من 19 موقعًا في تسعة بلدان عبر 11 علامة تجارية. ومن بين التجارب التي خضعت للاختبار، لم يكن هناك سوى 17 زجاجة خالية من المواد البلاستيكية - وكان بعضها يحتوي على جزيئات تراوحت بين المئات أو الآلاف. ووجد أن مادة البولي بروبيلين هي النوع الأكثر شيوعًا للقطع البلاستيكية التي تم العثور عليها، وهو نفس نوع البلاستيك المستخدم لصنع أغطية الزجاجات. وقال سكوت بلتشر، وهو أستاذ أبحاث في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، إن المواد الكيميائية من البلاستيك يتم تناولها باستمرار من قبل البشر. «نحن نفترض عموما أن زجاجة المياه التي تحتفظ بمياه الينابيع صافية، أو أن الوعاء البلاستيكي آمن عند استخدامه بالميكروويف لإعداد وجباتنا، أو أن أكواب الستايروفوم التي نحتسي بها مشروبات ساخنًة تحمي أطعمتنا ومشروباتنا» كما يقول بلشر. وبدلا من أن تعمل هذه المواد البلاستيكية كمثبتات لنار الطبخ او التسخين تتحلل وتتكسر وتفرز الكيماويات، وحتى المعادن الثقيلة السامة التي يتم امتصاصها جميعا في وجباتنا وأجسامنا». ووفقا لدراسة Orb Media، فإن الباحثين الذين يستخدمون الصبغة لتحديد القطع الطافية من البلاستيك وجدوا في المتوسط 10 جسيمات في كل لتر ماء، كل منها أكبر من حجم شعرة الإنسان. كما تم العثور على جسيمات أصغر يمكن أن تكون بلاستيكية، بمتوسط 314 لكل لتر. «والبلاستيك غير قابل للتدمير، بمعنى أن النفايات البلاستيكية لا تتحلل بيولوجيا، بل إنها تتكسر فقط إلى أجزاء أصغر، وحتى إلى جسيمات في مقياس النانومتر.» وفقًا للتقرير. «وتظهر الدراسات أن جزيئات بهذا الحجم يمكن أن تنتقل عبر جدار الأمعاء وتسافر إلى العقد اللمفاوية وغيرها من الأعضاء الجسدية». وقالت منظمة الصحة العالمية لبي بي سي إنها تريد تحديد ما إذا كان البلاستيك الصغير يمكن أن يقوض صحة الإنسان. وقال بروس جوردون منسق منظمة الصحة العالمية «نحتاج إلى أن نفهم ما إذا كانت هذه الأشياء خطيرة، لو وجدت في المياه بتركيزات خطيرة». وقد لعب بحث Orb Media دورا في قرار منظمة الصحة العالمية بمراجعة البلاستيك في مياه الشرب. وقال جوردون «من الواضح أن الجمهور سيكون قلقا بشأن ما إذا كان هذا سيجعلهم مرضى على المدى القصير أو علي المدى الطويل.» وقال محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2006 في التقرير: «بما أن مشكلة البلاستيك تم إنشاؤها بشكل حصري من قبل البشر من خلال عدم اكتراثنا، يمكن حلها من قبل البشر عن طريق الانتباه إليها». «الآن ما نحتاج إليه هو التصميم على إنجازه - قبل أن يؤذينا.»