حرارة ... وعيد ... وماء غائب ... ثالوث المعاناة هذه الأيام في تونس ... مأساة حقيقيّة لو حدثت في بلد يحترم كرامة الإنسان لاستقالت الحكومة فورا و بلا تردد... لكن للأسف هنا تونس ... هنا الوطن الغائم الذي صادروا فيه أحلام الناس و حوّلوها إلى صناديق التعويضات والهيئات المشبوهة و موائد اللئام و مزادات السياسويين والشعبويين والغوغائيين ...هنا تونس الضحك على الذقون و الحكم "اللارشيد " و الهرولة هنا و هناك للمتاجرة بأوهام الربيع المزعوم و أضحوكة البلد الاستثناء. هنا الطبقة السياسية التي تحصد الفشل تلو الفشل و بكل غرور وعنجهية تسارع إلى تشكيل الأحزاب و الدكاكين الحزبية والترشح للانتخابات ...هنا قصف العقول بالمعقول و اللامعقول والشعارات الخاوية المؤدلجة و رجم الشعب بالخطابات الإنشائية و الحذلقة اللفظية... هنا الميزانيات التي لا يعلم أحد من عامة التونسيين كيف تعدّ وكيف تنفق و في أية مسالك تصرف... هنا الدينار المنهار والشعب الحائر المحتار في الليل و في النهار ...هنا الكذب الشائع و الدجل المفضوح و مئات الأحزاب التي لم يفتح أصحابها كتابا واحدا ليفقهوا معنى السياسة و حقوق الإنسان و ماهية الحياة . هنا الكثير و الكثير من الخرافات التي سيدوّنها التاريخ لتعرف الأجيال القادمة ماذا جرى في تونس ... هنا الكثير من الحكايات التي ستروى لمن سيأتي بعدنا فصولا من سنوات المعاناة و القهر و الزيف و البهتان و ألاعيب المتكالبين على بريق الكرسي وأضواء الحكم في رداء الانتقال الديمقراطي... هنا مطمور روما الذي يجوع فيه الناس ... ينظرون إلى زياتين وطنهم و لا يظفرون بزيوتها ... يتأملون الدقلة في عراجينها و لا يطالون حلاوتها ... يشتمون لحوم مواشيها و لا يقدرون على ثمنها في العيد و سائر الأيام... هنا قرطاج العظيمة التي حوّلوها إلى أطلال و أشباح ...هنا أرض عليسة و أميلكار برقة وحنبعل و يوغرطة و رموز تاريخها الشامخ ...هنا أرض الناس الطيبين الذين سقوا ترابها بدمائهم الزكية و السخية فجاء من يجمع الحصاد و الغنيمة في غفلة من الزمن و الوجود... عيد بلا ماء في حرارة لا تطاق ...أية مهزلة و أية مأساة ...كأن أسعار الأضاحي الملتهبة لم تكف فزادها العطش التهابا.. نعم سيدون التاريخ ذلك و ستحفظ الذاكرة ما شاء لها أن تحفظ...فكل من خان الشعب خانه التاريخ و القدر ....تلك حتمية تتكرر ...لا مفر منها منذ أن تشكّل الاجتماع البشري وظهرت الدول...من الماضي الغابر إلى الحاضر الأغبر..