توشك الحملة الإنتخابية الرئاسية على النهاية، وقرب موعد الاقتراع ليختار المواطنون من سيتولى منصب رئاسة الجمهورية وهو منصب هام باعتبار أنّ «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدتها يضمن استقلالها واستمراريتها ويسهر على احترام الدستور» طبق ما جاء بالفصل 72 من الدستور الجديد وهو بذلك حسب بعض فقهاء القانون الدستوري «يجسّد الامة». ملاحظات حول الحملة الانتخابية لقد تابع المواطنون باهتمام نشاط وتصريحات وخطب المترشحين اثناء الحملة الانتخابية التي تنوعت اساليبها حتى ان البعض منها اتخذ مظاهر احتفالات فلكلورية شعبية بالطبل والمزمار ! على ان المتأمل في تصريحات وخطب المترشحين يلاحظ ان البعض منهم غير ملم كما يجب بصلاحيات رئيس الجمهورية وحدودها فراحوا يَعِدون النّاخبين بجملة من الإنجازات والإصلاحات والمشاريع المختلفة العديدة والتي لا علاقة لها اطلاقا بمهام رئيس الجمهورية والخارجة عنها ولا تتماشى مع طبيعة النظام السياسي الجديد المتميّز بطابعه البرلماني وان السامع لبعض المترشحين يذهب في ظنه ان رئيس الجمهورية هو «الحاكم بأمره» ! وكان من المفروض على كل مترشح ان يطّلع على احكام الدستور ويستوعبها حتى يكون برنامجه مطابقا لها حتى لا تصبح وعوده للناخبين غير صحيحة ولا يقع احترامها كَوُعود عرقوب. لقد تابع الناخبون بالخصوص المناظرات التي بثّتها القناة الوطنية وقنوات أخرى واستمعوا الى أجوبة المترشحين على الأسئلة التي طرحت عليهم وتبيّن منها ان المستوى يختلف من مترشح الى آخر فأجوبة البعض منهم كانت خارجة عن الموضوع او خاطئة او سطحية وهناك من لم يجب على بعض الأسئلة بتعلات غير مقنعة في حين ان أجوبة بعض المترشحين الاخرين وهم قليلون كانت مقنعة وتنمّ عن مستوى رفيع يدل على الالمام بشؤون البلاد في الميادين الاقتصادية والاجتماعية وغيرها وعلى دراية بتوجهات تونس في العلاقات الخارجية والامن القومي. مواصفات رئيس الجمهورية ان المواصفات التي يجب ان تتوفر في رئيس الجمهورية عديدة ومتنوعة ومن أهمها ان تكون له شخصية قوية وذو هبة (Charisme) وهي منّة حبا الله تعالى بها من شاء من خلقه ولا دخل للمرء فيها كما يجب ان تكون له شخصية قوية تمكّن من مواجهة الصعوبات والتغلب عليها وحل الازمات بسرعة وخاصة السياسية منها مع مراعاة المصلحة العليا للبلاد في كل ما يتخذه من قرارات دون الالتفات الى المصالح الشخصية والتقيّد بأحكام الدستور خاصة وانه عندما يُنتخب ويتولى منصب الرئاسة يقسم بان يحترم «دستور تونس وتشريعها ومراعاة مصالحها ويلتزم بالولاء لها» طبق الفصل 76 من الدستور كما انه من الضروري أيضا ان يكون الرئيس ذا ثقافة واسعة مُلمّا بتاريخ البلاد وشؤونها على الصعيد الاجتماعي والسياسي والأمني بالخصوص وان يكون على دراية كبيرة بكل ما يتصل بالعلاقات والمؤسسات الدولية وفي مقدمتها الأممية وان تكون له المؤهلات الشخصية لأخذ الكلمة في الندوات والملتقيات والمنابر وخاصة الدولية منها وفي بقية المناسبات وكذلك عند مخاطبة الشعب وان يتخذ قراراته في ميدان العلاقات الخارجية على ثوابت سياسة البلاد والاخذ بعين الاعتبار لمصالحها. ومن أهم المواصفات الواجب توفرها في رئيس الدولة نظافة اليد، ولنا أسوة في شخصية الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي لم يكن له أي اهتمام بالمال فلم يمتلك شيئا في قائم حياته فكان هو والمال خطان متوازيان لا يلتقيان. ولا شيء يمنع الرئيس من الاهتمام بشؤون وحاجيات المواطن اعتمادا على المفهوم الواسع للأمن القومي المنصوص عليه بالفصل 77 من الدستور وقد كان الرئيس الراحل المرحوم الباجي قائد السبسي حريصا على الاهتمام بحاجيات المواطنين وخاصة فيما يتعلق بمعيشتهم وكان يتفقّد بعض الأسواق لمعرفة أسعار الخضر والغلال ومدى تماشيها مع إمكانيات المواطن. ولا غروه في ذلك، إذ أنّ رئيس الجمهورية منتخب انتخابا عاما حرّا مباشرا وسريّا من قبل الشعب، ممّا يجعل له مشروعية كبيرة وهامّة، لعلّها أكثر مشروعية من رئيس الحكومة الذي لا ينتخبه الشعب مباشرة. وبقطع النظر عن هذه الملاحظة، فان صلاحيات الرئيس تبقى هامة رغم محدوديتها في بعض الميادين. وأنّ المُهم أن يكون رئيس الجمهورية رجل دولة بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من مقومات وشروط ومواصفات. وقد تعدّدت الآراء حول مهام رئيس الجمهورية والصفات التي يجب أن يتحلّى بها وتستوقفنا بعض الآراء حول وظيفة رئيس الجمهورية من ذلك ما قاله الرئيس الفرنسي الأسبق Valery Giscard D'Estaing «إنّ رئيس الجمهورية ليس رئيس حزب فهو حكم ومسؤول وأنّ دوره هو الدفاع عن المصالح العليا للأُمة « ويقول أيضا أحد رجال السياسة في فرنسا وهو Dominique de Villepin «ان العبرة ليست في الظفر بالحكم بل في القدرة على ممارسته». ونرجو أن يكون اختيار المترشحين بناءا على مقاييس موضوعية وصحيحة وليس نتيجة للشّعبوية التي لا تنتج الاّ الرّداءة وهذا ما حدث في بعض البلدان التي افرزت الانتخابات فيها اختيار مترشحين لا تتوفر فيهم الكفاءة اللازمة وجعلوا من الشعبوية منهجا للتأثير على الناخبين. على أن السؤال الذي يبقى مطروحا: هل توفرت هذه المواصفات في المترشحين لمنصب الرئاسة ؟ لا شك أنّ الناخبين هم اللذين سيجيبون على هذا السؤال يوم الاقتراع، وذلك عند اختيارهم للمترشح الذي تتوفر فيه تلك المواصفات ويكون جديرا بمنصب الرئاسة وان الشعب هو صاحب السيادة الحقيقية طبق الفصل 3 من الدستور وهو المؤهل دون سواه لاختيار الرّئيس. (أستاذ متميّز بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس)