للمرة الثانية في تاريخها تنتخب تونس رئيسها انتخابا حرا نزيها شفافا وبطريقة ديمقراطية.. وللمرة الثانية ستكون تونس على موعد مع التاريخ لتواصل تجربتها الانتقالية الديمقراطية الناجحة. تونس (الشروق) يتوجه الناخبون اليوم إلى مكاتب الاقتراع للإدلاء بأصواتهم ولاختيار رئيس الجمهورية للخمس سنوات القادمة. تجربة أولى بالنسبة للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لكنها الثانية في اختيار رئيس الجمهورية بطريقة نزيهة وديمقراطية بعد انتخابات 2014. بانتخابات اليوم تكون تونس قد قطعت أشواطا هامة في تجربتها الانتقالية التي انطلقت منذ 2011 وشدت إليها أنظار العالم ومثّلت أفضل تحضير لإرساء ديمقراطية استثنائية في دول الثورات وفي العالم العربي بشكل عام. فتونس عاشت منذ 2011 إلى اليوم 4 محطات انتخابية كبرى ( التأسيسي – الرئاسية – التشريعية – البلدية) وتطوي اليوم المحطة الانتخابية الخامسة في انتظار محطة أخرى سادسة بعد أقل من شهر بمناسبة تشريعية 2019. وخلال كل المحطات السابقة كانت الصورة التي تُنقل عن تونس هي أفضل ما يمكن أن تعيشه الديمقراطية وهي صورة التداول السلمي على السلطة والانتقال السلس لمقاليد الحكم في كنف الهدوء الأمني والطمأنينة الشعبية. تونس الجميلة ما كان لهذه المنجزات أن تتحقق لولا طبيعة وحنكة وكفاءة التونسيين وعلو درجة وعيهم السياسي ورقيهم الاجتماعي ونبذهم لكل أشكال العنف والفوضى عندما يتعلق الامر بمقاليد السلطة. ففي 2011، وعندما كانت البلاد على صفيح ساخن حصل الانتقال السلمي للسلطة مرة أولى عندما تولى فؤاد المبزع الرئاسة ومحمد الغنوشي رئاسة الحكومة ومرة ثانية عندما تولى الراحل الباجي قائد السبسي مقاليد الحكومة خلفا للغنوشي ومرة ثالثة عندما وقع تسليم العهدة الى الفائزين في انتخابات المجلس التأسيسي (منصف المرزوقي رئيسا وحركة النهضة في الحكومة). وفي 2014 كان الموعد مرة رابعة مع الصورة الناصعة لتونس عندما وقع تسليم عهدة رئاسة الحكومة من علي العريض الى مهدي جمعة اثر حوار وطني ناجح بين الفرقاء السياسيين ولقي صدى واسعا في العالم وسارت البلاد اثره في كنف الهدوء الى رئاسية وتشريعية 2014. إثرها وقع تسليم عهدة رئاسة الجمهورية بطريقة سلسة وسلمية من المرزوقي الى الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وكذلك عهدة رئاسة الحكومة من مهدي جمعة الى الحبيب الصيد. ليتواصل الأمر على النحو ذاته في صائفة 2016 عندما تولى يوسف الشاهد رئاسة الحكومة خلفا للحبيب الصيد. ثم جاءت الصورة الأكثر جمالية عندما توفي الباجي قائد السبسي وسادت آنذاك الشكوك والمخاوف إلا أن التونسيين أثبتوا مرة أخرى قدرتهم على صنع الاستثناء، حيث وقع تفعيل الدستور في ظرف ساعات معدودات وتسليم منصب رئاسة الجمهورية الى رئيس البرلمان محمد الناصر والإسراع بتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها. ساخنة وديمقراطية منذ البداية كانت كل المؤشرات توحي بان هذه الانتخابات ستكون استثنائية بفعل طابعها الحر والشفاف. فباب الترشح فُتح للجميع بلا استثناء وهو ما فسّر العدد المرتفع للمترشحين بصفة أولية (98 مترشحا) قبل ان يقع الإبقاء على 26 مترشحا توفرت فيهم الشروط المطلوبة، وهو ما كرّس مبدأ التعددية الذي يُعدّ احدى ركائز الديمقراطية. وبعد ذلك فسحت هيئة الانتخابات المجال واسعا أمام مختلف المراقبين والملاحظين من تونس وخاصة من الخارج لمراقبة العملية الانتخابية إلى جانب العمل على إحاطة العملية الانتخابية بكل الضمانات الممكنة على مستوى تأمين المواد الانتخابية وتكثيف الزاد البشري للهيئة وتشريك المؤسسة العسكرية (المشهود لها بالحياد ونظافة اليد) في العملية الانتخابية. كما اتخذت كل الإجراءات والتراتيب لتأمين حملة انتخابية توفر فيها الحد الأدنى المطلوب من التنظيم وستؤمن اليوم تصويتا حرا ونزيها يُكرّس الديمقراطية في أسمى معانيها. البقاء للأفضل 26 مترشحا سيتنافسون اليوم على منصب رئيس الجمهورية دون احتساب التنازلات التي قررها بعضهم، وأكثر من 7 ملايين مسجل بالسجل الانتخابي معنيّون بالتصويت في هذه الانتخابات في 27 دائرة انتخابية. اليوم لم يبق أمام الناخب التونسي الكثير من الوقت للتفكير، لكن مع ذلك سيكون الجميع أمام امتحان كبير يبدأ أولا بضرورة توجه الجميع الى مراكز الاقتراع لممارسة حقهم وواجبهم الانتخابي وامتحان لا مكان فيه للعاطفة بل للعقل ولا مكان فيه للمؤثرات الخارجية بل للاختيار الحرّ وللقناعات الشخصية ولاحترام حق التصويت. فرغم ما حصل من تقلبات خلال فترة الحملة الانتخابية قد تكون أثرت على خيارات البعض، ورغم ما يحمله البعض من أفكار مسبقة عن المترشحين، إلا أن كل ذلك يجب أن يتركه الناخب جانبا وهو يهمّ بالدخول إلى خلوة التصويت حتى يُفعّل عقله ويختار من يرى فيه القدرة على المحافظة على تونس وعلى شعبها من كل المخاطر المُمكنة والقدرة على تحسين وضع البلاد ومعيشة الناس في إطار ما تسمح به صلاحياته الدستورية.. ما سيبقى من رئاسية 2019 - أول انتخابات سابقة لأوانها (اثر وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي) تطبيقا للفصل 86 من الدستور - أول انتخابات تشهد مناظرة تلفزية بين المترشحين - أول انتخابات يراقبها الاتحاد العام التونسي للشغل بحوالي 4000 مراقب - أول انتخابات رئاسية تسبق التشريعية - ثاني انتخابات رئاسية بعد 2011 - ثاني انتخابات في تاريخ تونس تتم بطريقة ديمقراطية وحرة وشفافة بعد رئاسية 2014