تصويت شعبي هائل ، أوصل قيس سعيّد الى قصر قرطاج ،وقد يدفعه الى إجراء تغييرات جذرية في عديد القطاعات ، ويسير معه جنبا الى جنب في مسار إعادة هيكلة كل المنظومة التشريعية المتعلقة بممارسة السلطة ،انطلاقا من تغيير النظام الانتخابي ،وصولا الى تنقيح الدستور .. خطوات عديدة يمكن أن تجعل من سعيّد في مواجهة محتملة مع البرلمان. تونس -الشروق - لم يفز قيس سعيد في الدور الثاني من الرئاسيات ،فحسب، بل تحصّل على نسبة تجاوزت السبعين بالمائة ،بلغ عدد الأصوات التي تحصل عليها مليونين وسبعمائة وسبعة آلاف صوت ، وهو ما جعل المتابعين للمشهد السياسي في تونس يتحدثون عن «تفويض شعبي» تم منحه لقيس سعيد ، لها ابعاد رمزية عدّة. إعادة الاعتبار للرئاسة القاعدة الشعبية التي تحصّل عليها قيس سعيد ، التي تنقسم الى مناصرين لسعيّد والى قواعد تنتمي لاحزاب أخرى قررت التصويت لسعيّد ،إما لانها اقتنعت به او التزمت بالقرار الرسمي لاحزابها ، هذه القاعدة الشعبية عدّلت كفة السلطة التي كانت مائلة بشكل واضح وجلي لفائدة البرلمان الذي يتمتع بصلاحيات واسعة ،حسب ما نص عليه الدستور ، واعادت رئاسة الجمهورية الى الواجهة. السياق العام للانتخابات الرئاسية ،السابقة لاوانها كان ملائما حتى يكون كل ما يتعلق بهذه الانتخابات استثنائيا ولافتا للرأي العام التونسي ، وصولا الى نتيجة هذه الانتخابات التي جعلت من رئيس الجمهورية يتمتع بثقل شعبي هام حتى وان لم تكن له صلاحيات كبرى ويمكن ان يساهم هذا الثقل الشعبي في إعادة الاعتبار لرئاسة الجمهورية. الاحتكام الى الشعب الحديث عن «التفويض الشعبي» لقيس سعيد أحال مباشرة الى استشراف علاقته بالبرلمان ، وفرضيات الوصال والانفصال بينهما ، وما زاد الامر وجاهة قياس عدد المصوتين لقيس سعيد مع كل الذين صوتوا لنواب البرلمان من ائتلاف السلطة الذي ينتظر تشكيله قريبا الى نواب المعارضة ( عدد المصوتين في الانتخابات التشريعية مليونين و 946 ألف صوتا ) وهو ما جعل البعض يذهب الى مقاربة خاطئة تتمثل في الموازنة بين شخص قيس سعيد والمؤسسة التشريعية. علاقة سعيد بالبرلمان استشراف العلاقة بين قيس سعيد والبرلمان والقول أنها ستخضع لاشكالات وتجاذبات يتّخذ من «السوابق البرلمانية» حجّة قويّة للجزم بأن العلاقة لن تكون ودّية ، فالعمل البرلماني في تونس يتميّز بالبطئ وتعطيل المصادقة على مشاريع القوانين والتي عادة ما تكون حياتية بالنسبة للدولة ،إضافة الى ما شاب علاقة البرلمان سابقا من توتّر وصراع مع الحكومة ومع رئاسة الجمهورية وهو ما يؤشّر لفرضية استمرار نفس ملامح العلاقة. هذه العوامل تُضاف لها معطيات أخرى في علاقة بما صرّح به قيس سعيد في ندوة صحفية ، حيث شدّد على انه سيحتكم للشعب التونسي في كل تفاصيل عمله مشدّدا على انه إن عطل البرلمان مشاريع القوانين التي سيقدمها لمجلس نواب الشعب فانه سيحكتم الى الشعب. المحافظة على التجربة الديمقراطية إمكانية تصادم رئيس الجمهورية قيس سعيد والبرلمان واردة ، خاصة في الملفات الكبرى التي أكّد قيس سعيد انه سيطرحها ومن بينها تنقيح الدستور وملفات الإصلاحات الكبرى ، وهي ملفات خلافية حتى داخل البرلمان نفسه ، وإمكانية الاحتكام الى الشارع لحسم هذه الملفات لصالح قيس سعيد ،عبر اعتماد آلية مخاطبة الشعب مباشرة ، وهي آلية يضمنها الدستور ، يمكن ان يقود الى سياقات مفتوحة على كل الاحتمالات. كل الاحتمالات ممكنة وفي هذا السياق قال أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي أن ما يمكن أن نستخلصه سياسيا من تكريس لفظ «التفويض الشعبي» لقيس سعيد هو إعداد وتهيئة للرأي العام لقبول تغيير النظام السياسي الحالي إلى نظام رئاسي. خاصة من خلال الإطناب في مدح شخص قيس سعيد وربط مؤسسه الرئاسة بشخصه المقبول لدى التونسيين، ثم من خلال تكرار في الإعلام لمسألة تفوقه في عدد الأصوات على أصوات جميع نواب مجلس نواب الشعب. وأضاف الخرايفي ان كل الاحتمالات تبقى مفتوحة ، في علاقة بتعاطي قيس سعيد مع مجلس نواب الشعب ،طالما ان المحكمة الدستورية غائبة ، وهي التي ستعلب دور الحكم ، وإيقاف كل انحراف دستوري. مشيرا الى ان هذا الطرح هو طرح من خارج الإطار الدستوري، ووجب الانتباه إلى هذه الخطورة التي انخرط فيها العديد من حيث يعلمون ،ولا يعلمون. واعتبر الخرايفي ان الخطر يتمثل في «تسخين» الشارع التونسي والتنظير الى ان قيس سعيد اكبر من البرلمان ، مشيرا الى انه يمكن ان يلجأ سعيد الى السابقة التي تركها له الراجل الباجي قائد السبسي في عدم امضاء النصوص التشريعية ، اذا ما عطل البرلمان مشاريع القوانين التي يقدمها ،مشيرا الى ان قيس سعيد صرح بأنه لن يوقع مشاريع القوانين التي يعتبر انها ضد الشعب.وحذر الخرايفي من إمكانية الدخول في مرحلة اضطرابات سياسية اذا دخلنا في سياق خلاف بين البرلمان وقيس سعيد. الانسجام مقاربات أخرى تشير الى ان العلاقة بين قيس سعيد والبرلمان ستتميّز بالانسجام لاعتبارات عدة منها ماهو موضوعي ،يتعلق بالسياق العام ، ومنها ماهو ذاتي ،يتعلق بشخص قيس سعيد ، فالمؤسسة التشريعية تضم تيارات سياسية وشخصيات لها من التجربة والحنكة السياسية ما يجعلها تتفادى أي صدام ممكن. حركة النهضة ستكون قاطرة المشهد البرلماني ، وهي قادرة على تجاوز الصدام المباشر مع رئيس الجمهورية مثلما عملت على ذلك على امتداد فترة حكم الراحل الباجي قائد السبسي فبالرغم من تباين الآراء بقيت العلاقة تتراوح بين التفاعل الإيجابي والبرود ولم تصل مرحلة الصدام المباشر. شخصية قيس سعيد ما يمكن ان يلغي فرضية التصادم ،أيضا ، شخصية قيس سعيد فهو أستاذ قانون ومن اكثر الشخصيات التي عُرفت بانضباطها والتزامها بالقانون وحرصا على المصلحة الوطنية ، فقيس سعيد الذي دافع عن الثوابت الوطنية وعن الدولة ، لا يمكن ان يدخل في صراعات مفتوحة مع اول سلطة في تونس ، ولا يمكن ان يجازف او يغامر بأي توتر مع البرلمان. المرور الى الخطابات الشعبية يمكن ان يحمل مخاطرة كبرى خاصة وان الشارع التونسي يخضع حاليا لانقسامات وتوترات كبرى ويمكن ان يُشحن بأي خطاب يتضمن جرعة تحريضية ، وهذا الامر يمكن ان يدفع قيس سعيد الى التراجع عن فكرة الخطاب المباشر في أي خلاف مع البرلمان ، خاصة وان تونس تربطها اتفاقيات ومعاهدات دولية لا يمكن التراجع فيها لمجرد إرضاء مزاج عام. رئيس موحّد لكل التونسيين وفي هذا السياق قال نوفل سعيد مدير الحملة الانتخابية لقيس سعيد ، إن شقيقه قيس سعيد سيكون رئيسا لكل التونسيين، وسيكون عنصرا موحدا للشعب التونسي. وتحدث نوفل سعيد في تصريح اعلامي ، عن أهمية توحيد الصفوف للنهوض بكل مطالب التونسيين. يمكن اعتبار فوز قيس سعيد برئاسة الجمهورية بهذا الزخم الشعبي ،سابقة تاريخية ، إعادة الاعتبار الى رئاسة الجمهورية وعدّلت الكفّة مع البرلمان ، ويمكن ان تكون إعادة صياغة ملامح السلطة بصلاحيات دستورية كبرى للبرلمان وبنفوذ سعبي كبير لرئيس الجمهورية ،دافعا لحسن تسيير دواليب الدولة وفق مقاربات جديدة تكون اقرب الى الشعب ، الذي يمكن ان يساهم في صياغة القرار حتى من خلال الاستفتاءات المصغرة التي تعتمدها دول عريقة في الديمقراطية ،إضافة الى العرائض الشعبية التي تطرح قضايا معيّنة وتطالب البرلمان بمقاربتها من الناحية القانونية. سعيّد سيرفض دور الرهينة قال العضو السابق في هيئة الانتخابات سامي بن سلامة «موضوعيا العدو الأكبر لقيس سعيد هي حركة النهضة إذا اخذنا الأمور بمنطق التنافس السياسي البحت ، فاضافة الى انه هرب بكتلها الانتخابية ، فيمكن حتى ان يأخذ عددا من نوابها» ،مشيرا الى ان شرعية قيس سيعد تتجاوز شرعية النهضة الانتخابية. وأضاف سامي بن سلامة أن هذا الامر يجعل من قيس سعيد يرفض دور «الرهينة» في قصر قرطاج ،اذا سلّمنا بعدم وجود علاقة تفاهم بين النهضة وسعيّد ،منذ البداية. وأشار بن سلامة الى ان النهضة ستعمل على إضعاف وتدمير قيس سعيد على نار هادئة ،وعلى توريطه لان نجاحه ينهي تأثيرها. سعيّد سيصطدم بحركة النهضة قال المحلل السياسي رياض الصيداوي أن فوز قيس سعيد يُمثّل ثأر الطبقة المتوسطة من نظام دمرها وحطمها على امتداد سنوات ، وأضاف رياض الصيداوي ان قيس سعيد في وضعية قوة ويستطيع القيام بتوازن مع الحكومة ومع النهضة انطلاقا من الدعم الشعبي الكبير الذي يسانده. كما أشار رياض الصيداوي الى ان رئيس الجمهورية قيس سعيد سيصطدم حتما بحركة النهضة. أرقام ودلالات 72.71 ٪ هي نسبة الأصوات التي حصل عليها قيس سعيّد، وهي نسبة لاول مرة يحصل عليها رئيس منتخب في تونس بعد الثورة بما يمنحه شرعية شعبية كبيرة. 7 تشكيلات سياسية حسب تقديرات سيغما كونسغاي صوتت قواعدها لصالح قيس سعيد وهي (النهضة 20.8 بالمائة – ائتلاف الكرامة 7.3 بالمائة – التيار الديمقراطي 6.4 بالمائة – حركة الشعب 5.4 بالمائة – تحيا تونس 2.6 بالمائة – الدستوري الحر 2 بالمائة – قلب تونس 1.7 بالمائة ) علما وأن قيس سعيد ليس له حزبا سياسيا ولا نواب في البرلمان الجديد. – أعلن قيس سعيد عزمه الاحتكام الى الشعب في أكثر من مناسبة في صورة رفض البرلمان لمباداراته التشريعية التي سيتقدم بها في اطار تنفيذه للتصورات التي قدمها خلال الحملة الانتخابية