«تسونامي» من الوعي والتحضر اصاب شبابنا بين عشية وضحاها «تنظيف انهج وشوارع المدن والقرى من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب» اصوات تنادي بالتوقف عن «الترسكية» واطلاق حملة «دينار دينار» لأجل الفقراء فماهي اسباب حالة الوعي المفاجئة عند الشباب؟ تونس-الشروق: «حالة وعي» هي التسمية التي اختارها الاف الشباب في تونس لتفسير اسباب خروجه لتنظيف الشوارع والانهج والمؤسسات ليومين متتاليين وقراءة الكتب في المقاهي ليندهش الجميع فرحا واستغرابا من حالة الوعي التي فاجأت الجميع اذا مالذي حدث للشباب حتى يتحول بين عشية وضحاها من مستقيل عن ممارسة المواطنة حتى في مستوى المشاركة في الانتخابات الى مواطن متحضر جدا وفاعل وراغب في التغيير مالذي جعله يهتم بنظافة البلاد بعد ان كان يفكر في الهجرة المنظمة اوالحرقة؟ من اعاد الشباب ليقوم بنفس الممارسات التي قام بها ذات 14 جانفي 2011 وانطفأت في مدة وجيزة؟ من وراء تجديد النفس الثوري؟ وهل ان مايحدث عفوي ام له خلفيات؟ استعادة الامل لاشك في ان حالة الوعي التي اصابت الشباب هذه الايام ارتبطت زمنيا بالاعلان عن نتائج الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها وفوز المرشح قيس سعيد بأغلبية ساحقة فالشباب راهن على فوزه فدعّمه بحملة فايسبوكية وميدانية وخرج ليصوت لفائدته بكثافة ليحدث فارقا مهولا بينه وبين منافسه نبيل القروي . ويبدو ان الشباب تنفس الصعداء بهذا الفوز الساحق لمرشحه الجامعي النظيف في نظرهم والذي ينتمي الى الطبقة الوسطى واستعاد الامل واستعاد معه الشعور بالمواطنة او بمعنى اصح الانتماء للوطن وهذا الشعور انعكس على جميع التعليقات التي وردت في صفحات على شبكة التواصل الاجتماعي لمجموعات فايسبوكية تدعو الى التنظم والخروج الى الشارع لتنظيف الانهج والطرقات وطلاء الحيطان والقيام برسوم فاستجاب لها جميع الشباب وانخرطوا في نفس التوجه بنشر الصور والدعوات واتصلوا بالبلديات المعنية للحصول على المعدات المطلوبة وقاموا بحملاتهم نهارا وليلا. مشهد التنظيف وجمع اطنان الفضلات ابهر التونسيين وغير التونسيين واثار الكثير من الاعجاب لان البلاد تحتاج الى مثل هذه الافعال واثار الاستغراب حتى ان بعض الامهات اطلقن حملة « نظف بيتك» والبعض الاخر اعتبرها مسالة ظرفية وسوف تزول وتعود ريما لعادتها القديمة. رئيس نظيف الشباب الذي خرج للشارع اغلبه شباب(18 -25 سنة) و قال عنه حسن الزرقوني مدير مؤسسة سيغما كونساي المتخصصة في استطلاعات الرأي :" لو شكل حزبا سيكون في الحكم ويصبح اقوى حركة سياسية في البلاد". وهو حاليا يحتفي بانتصار مرشحه بالفعل لافقط بالكلام تحت شعار :»رئيس نظيف بلاد نظيفة»و «سيدي الرئيس نحن نتولى تنظيف البلاد من الاوساخ وانت طهرها من الفاسدين» و هي واحدة من الشعارات التي تم تبادلها في تسونامي الوعي الذي يعيشه الشباب التونسي هذه الايام لتلتقي نظافة يد رئيسهم بنظافة وجمالية المدن التونسية في اشارة الى ضجرهم من تفشي الفساد واستشرائه خلال التسع سنوات الماضية. وعادت الطمأنينة الى نفوسهم بضرورة الحفاظ على كل ما هو عمومي مشترك بين التونسيين والى جانب تنظيف الشوارع وتركيز الحاويات وتنظيف المؤسسات التربوية والمعاهد العليا حددوا يوم الاحد القادم الموافق ل20 اكتوبر ليكون موعد حملة نظافة وطنية تبهر العالم ونادوا بضرورة الحد من ظاهرة «الترسكية» ونشر بعض الشباب من الاطار شبه الطبي صورا بعد تنظيف غرفة علاج واطلق شباب اخر نداء للتبرع بدينار وحيد لا يؤثر في الميزانية لكنه يغير كثيرا من حال المحتاجين وصرح البعض الاخر بالتبرع بيوم عمل لفائدة الخزينة العامة لمساعدة تونس على الخروج من ازمتها وانخرط الشباب الموجود خارج البلاد في الرغبة في التبرع لفائدة ضعاف الحال. وانطلقت حملات مقاطعة البضائع الاجنبية واستهلاك البضائع المحلية والمطالبة بإسناد عقوبات قاسية على من يرتكب الجرائم. عموما لاحديث للشباب عبر شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك» او عبر ما ينشره من صور على انستغرام او عبر الهاشتاغ الا عن تونس التي يجب ان تكون نظيفة جميلة خالية من الفساد تحت شعارات" تونس جديدة" ' «حالة وعي» ' «ثورة عقول» على خلفية ان اول الغيث قطرة في انتظار الكثير. وطالب العديد منهم بمواصلة الحملة طيلة الخمس سنوات القادمة لان قيس سعيد ادخل الطمأنينة في قلوب التونسيين حتى ان رجل أعمال تونسي تبرع بمبلغ 70 مليون لشراء سيارة رباعية الدفع للمرأة الريفية بسيدي بوزيد التي ذهبت الى مكتب الاقتراع بواسطة «كريطة» وتم نشر ابتكارات لحاويات يمكن صناعتها حتى لا يلقي المواطن بالفضلات في الشارع مع التبرع ببعض المال ومساعدة البلدية على توفيرها. خلفيات وطرائف حالة الوعي التي يعيشها الشباب التونسي لئن باركها الكثير من التونسيين فقد رافقتها دهشة من التغير المفاجئ لسلوك الشباب داعين الاخصائيين الى تفسير مايحدث لشعب انتخب شخصا لم يقدم اية وعود انتخابية ' شخص لم يتجاوز غير القول « يشهد الله علي» ولم يؤد القسم الرئاسي والشعب بدأ يتغير. واعتبر البعض انها حالة عرضية او كما يقال بالعامية «نفحة» وسوف تنتهي لان ارتباطها بفوز الرئيس قيس سعيد نابع من عدم ادراك بان نظامنا السياسي هو نظام برلماني وصلاحيات الرئيس لن تغير من الواقع الاجتماعي شيئا فيما البرلمان لن يفرز مشهدا سياسيا متناسقا متناغما من حيث افكار الاحزاب بل هو عبارة عن موزاييك من الاحزاب التي يصعب جمعها حول رؤية لاصلاح البلاد او الاتفاق حول تشكيل حكومة وربما نذهب الى اعادة الانتخابات التشريعية . وفسر البعض الاخر حالة وعي الشباب بعدم العفوية وان هناك طرفا سياسيا يؤطرها ويدعمها ولن تعيش طويلا . ومن الطرائف التي رافقت هذه الحملات ان تونس في حاجة الى طائرة هيلوكبتر لرش الملح والسينوج لحمايتها من عين الحاسدين ومنهم من قال انه يشعر بجذب عينيه من الطرفين لانه يشعر بانه تحول الى مواطن ياباني واحدهم لاحظ اوساخا ملقاة على الطريق فتساءل اظن انه مواطن الماني او فرنسي القى بها هنا وبعضهم قال ان الشباب التونسي مستقبلا سوف يقوم بحملات التنظيف في الجزائر . محمد الجويلي استاذ علم اجتماع ل«الشروق» حالة عاطفية تأتي عادة بعد الحروب والثورات ولكن بحثا عن تفسير حالة الوعي التي يعيشها الشباب التونسي في كل الجهات هذه الايام قال الاستاذ في علم الاجتماع بجامعة تونس محمد الجويلي :" اولا هي جزء من الحالة العاطفية التي يعيشها الشباب اثر انتصار قيس سعيد الذي رشحه وكأنها تكملة للفوز وثانيا دائما في الاحداث الكبرى التي تعيشها الشعوب أي بعد حرب وبعد ثورة نعيش حالة استثنائية وهي حالة وقتية وعشناها بعد ثورة 14 جانفي 2011حيث تحسنت حركة المرور والحالة العامة للبلاد وانتشرت لجان لحماية الاحياء ووقف الناس خلف الطابور الطويل لشراء الخبز وهذا يحصل في كل الثورات ولا يدوم اكثر من اسبوع واضاف انه يتمنى ان تتواصل في تونس المستقبل ولكن الواقع يجعل الامور مختلفة الا في حالة واحدة وهي ان تحتضن الدولة هذه المبادرات الشبابية وترافقها وتساعد على مأسستها لتصبح حالة متواصلة واوضح انه لايجب ان تنحسر في مبادرة شبابية فحسب وان يتم تأطيرها وتنظيمها ومأسستها من طرف الدولة او المجتمع المدني والمنظمات الوطنية لتحدث مرة في الاسبوع وتتحول الى ممارسة متواصلة . واشار الى ان شباب تونس وجّه عديد الرسائل للمسؤولين والسياسيين وهي اولا رسائل فرح واستعادة ثقة في الذات والدولة وثانيا صورة عما يجب ان تكون عليه تونس في المستقبل ورسائل الى المؤسسات المعنية حتى تلعب دورها وتأكيد على ان الشباب التونسي قادرعلى القيام بالكثير في حال توفر مناخ من الثقة. ودعا الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الى احتضانها حتى تكون حالة دائمة بالمرافقة والجزاء المعنوي والمادي فهؤلاء الشباب شعروا بالمسؤولية تجاه بلادهم وشيئا من الاطمئنان على المستقبل بعد حالة الخوف وفقدان الامل التي عاشوها لسنوات متتالية . وحول مايروّج حول هذه الحملات بانها «نفحة» و»تخميرة» ولن تدوم قال :» خلي يقولوا آش يهم» عندما يتم تأطيرها لتتواصل سوف يصمت «النبارة» ويأخذ الشباب المبادرة ونتقدم ببلادنا.