قضت مؤخرا الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس بسجن شاب قارب الثلاثين من عمره لمدة سنوات نافذة وذلك لتعمده اعتراض سبيل جارته وتهديدها بسلاح ثم تحويل وجهتها وقد وقعت الجريمة في الكبارية جنوبي العاصمة أين ألقي القبض على المتهم ليحال على أنظار العدالة. عادت المتضررة يوم الواقعة من عملها في ساعة متأخرة مساء وكان التعب باديا على ملامها وبمجرد نزولها من المترو انطلقت كالسهم مسرعة نحو منزلها لتأخذ قسطا من الراحة ثم تعود في اليوم الموالي الى نفس الوتيرة. ولكنها لم تكن تعلم انه بالامكان ان يتدخل اي عامل وضوعي ليقطع عنها نسق حياتها ولم تكن تتصور ايضا ان يكون أحد هذه العوامل جارها الملاصق بيته لبيتها. مرت المتضررة من أحد الأنهج المؤدية الى حيث تسكن وكانت الساعة آخر عشيّ وعندما شاهدت جارها يقترب منها أحست بقليل من الاطمئنان أملا في أن يرافقها حتى تصل منزل والديها، الا انه وبمجرد وصوله أمامها، طلب منها ان تصطحبه الى حيث يريد فاستغربت طلبه لكنه أصر على ذلك وعندما صدته ونهرته عن رغبته أشهر في وجهها شفرة حلاقة وهددها بتشويهها ان رفضت مصاحبته وبعد توسلات دون فائدة تمكن من جرها خلفه مستعملا في ذلك شتى أنواع التهديد، كما سدد لها بعض اللكمات والركلات وانصاعت له ثم بدأ يقودها وراءه في اتجاه مكان خال من المارة بغاية التمكن منها ولم تفلح توسلات الجارة الى جارها. تواصلت الأحداث على نفس النسق الى ان شاهدت المتضررة بعض المارة يقتربون عندها دفعت خاطفها بقوة الخائف المرهب ثم أطلقت عقيرتها للصياح والصراخ. ارتبك الجاني ولم يدر ما يفعل هل يلاحقها؟ مع امكانية الدخول في مشاجرة مع المارة أم يلوذ بالفرار دون ان يدري مآل المسألة؟ خاصة أمام خطورة ما اقترفه! اختار رغما عنه الخيار الثاني وغادر المكان بسرعة ثم اختفى عن الأنظار. توجهت المتضررة الى منزلها وأعلمت أهلها الذين توجهوا صحبتها مباشرة الى أقرب مركز شرطة وقاموا بالاعلام بالامر رافعين شكوى في الغرض وطالبوا بتتبع الجاني. كما تم اعلام النيابة العمومية بالموضوع فأذنت بالتحقيق في الجريمة وبعد ان أدلت المتضررة بهوية المتهم، خاصة ومن الجيران أمكن لأعوان الأمن من تحديد أماكن تحركه الى ان استطاعوا في ظرف وجيز القاء القبض عليه. وباستنطاقه حاول بادئ الأمر الانكار نافيا ما صرّحت به المتضررة الا انه وأمام تماسك أقوالها وأمام شهادة الشهود اعترف بمانسب اليه، مؤكدا انه كان تحت تأثير مادة مخدرة وطلب الصفح والعفو من جارته واعدا بعدم الرجوع او العودة لمثل هذه الممارسات المشينة. وبعد التحرير عليه واستكمال اجراءات البحث تمت احالة المتهم على أنظار أحد قضاة التحقيق لدى المحكمة الابتدائية بتونس لمواصلة القيام بالأبحاث والتحقيقات الضرورية. ادعى المتهم أمام قاضي التحقيق انه كان بصدد مرافقة جارته ليوصلها الى منزل والديها وانه كان يوبخها لفظيا لأنه شاهدها صحبة شخص غريب قرب محطة المترو وادعى انه تعامل معها مثلما يتعامل مع شقيقته وزعم ايضا ان المتضررة ضاقت بكلامه عن الاخلاق والفضيلة فأطلقت عقيرتها للصياح طلبا للنجدة لايهام المارة بأنها تتعرض لعملية تحويل وجهة. وتراجع المتهم عن أقواله التي أدلى بها لدى الباحث المناب، وبمواجهته بأقوال الشهود وتصريحات المتضررة واعترافاته تمسك بالانكار التام نافيا التهم المنسوبة اليه، الا ان ممثل النيابة العمومية بابتدائية العاصمة رأى وجها قانونيا أمام اضطراب أقوال المتهم وتصريحات الشهود وثبوت التهمة عليه لإدانته من اجل تحويل وجهة فتاة باستعمال العنف والتهديد بسلاح، وأصدر في شأنه بطاقة ايداع بالسجن الى حين مقاضاته من اجل ما نسب اليه. دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس بدورها وجهت له نفس التهم وأيدت ما جاء بملف ختم الابحاث الصادر عن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة، وقررت بناء على ذلك احالته صحبة ملف القضية على أنظار الدائرة الجنائية المختصة بنفس المحكمة لمقاضاته من اجل تهمة تحويل وجهة فتاة باستعمال العنف والتهديد بسلاح. وبمثوله خلال الايام الفائتة أمام احدى الدوائر الجنائية تراجع المتهم عن أقواله التي أدلى بها أمام باحث البداية كما تناقض مع بعض تصريحاته لدى قلم التحقيق وبسؤاله عن الامر ادعى انه وجد جارته المتضررة والمدعية في قضية الحال، جالسة في المحطة دون مبرر أو سبب فتقدم منها بدافع الأخوة والخوف عليها وطلب منها ان تغادر المكان فورا لتعود الى منزلها، الا انها تعمدت الاعتداء عليه بفاحش الكلام وهو ما أدى الى استفزازه وتهييجه فدخل في حالة غضب ليتقدم منها دفاعا عن كرامته، ويقوم بصفعها فأطلقت عقيرتها للصياح ايهاما بوجود جريمة وعندما تقدم نحوها بعض الجيران والمارة ادعت بأنه كان يريد تحويل وجهتها ثم قامت اثر ذلك برفع شكوى كانت موضوع هذه القضية. ورغم مجابهته بتصريحات المتهمة وشهادة الشهود فضلا عن تصريحاته التي أدلى بها لدى الباحث الابتدائي وأقواله أمام قاضي التحقيق والتضاربات والتناقضات التي طرأت على تصريحاته الا انه تمسك بالانكار التام نافيا كل ما نسب اليه مدعيا خلو ذهنه تماما من وقائع الجريمة حسبما تم تسجيلها بالمحاضر. محاميه طلب من هيئة المحكمة اعتبار ما اقترفه منوبه من قبيل العنف الخفيف خاصة أمام عدم وجود براهين وأدلة ثابتة تدين المتهم فضلا عن تقديمه بعض الطعونات المتعلقة بمسائل شكلية واجرائية. النيابة العمومية طلبت المحاكمة والتمسك بالتهم الموجهة الى المتهم ومقاضاته حسب ما ورد بلائحة الاتهام وفق مقتضيات فصول الاحالة. في الختام وبعد اعتذار المتهم الذي طلب من المحكمة البراءة قضت في شأنه بالسجن لمدة أربع سنوات نافذة من أجل تحويل وجهة فتاة باستعمال العنف والتهديد بسلاح وتحميله المصاريف القانونية.