يبدو أن الصراع الروسي الأوكراني مقبل على فصول أخرى أكثر تعقيدا وأشد خطرا على السلم والأمن الدوليين. وقد زاد في وتائر التشنج والتوتر بين الطرفين دخول الغرب على خط الصراع حيث هرعت مختلف الدول الأوروبية وأمريكا إلى «نجدة» أوكرانيا وأغدقت عليها بكل أنواع الأسلحة.. ورفدتها بسيل من الأموال وكذلك بسيل من العقوبات الاقتصادية على فيدرالية روسيا.. وهو الموقف الذي أغضب الرئيس بوتين والذي جاء ليغذي هواجسه ومخاوفه من سعي حلف شمال الأطلسي المحموم إلى بسط مظلته على جمهورية أوكرانيا.. وهو الأمر الذي ردّ عليه الرئيس الروسي بوضع ترسانته النووية في حالة تأهب قصوى.. إلى أين تسير الأمور وهل يمكن أن تصل حد اللجوء إلى استخدام السلاح النووي ولو على نطاق محدود أم أن الأمر لا يتعدى حدود التهديد باستخدام القوة القصوى لتحصيل مكاسب سياسية كبرى؟ الإجابة لا تزال معلقة وآمال العالم لا تزال مشدودة إلى جولة المفاوضات بين الطرفين الروسي والأوكراني التي انتهت جولتها الأولى في جمهورية بلاروسيا. وهي مفاوضات لا ينتظر أن تفضي سريعا إلى ايجاد حلول مرضية ويقبل بها الطرفان لصراع شديد التعقيد وخيوط اللعبة فيه تتجاوز طرفي العملية التفاوضية إلى أطراف أخرى مثل أمريكا وأوروبا التي ظلت تصطاد هذه اللحظة وتدفع إليها دفعا بهدف الايقاع بالدب الروسي في مستنقع جديد سوف يضعفه ويستنزفه في أدنى الحالات.. وقد يدفعه إلى حلول يائسة وخيارات تجرّ الويل والدمار على البشرية جمعاء. وبالنظر إلى مطالب الطرفين المتقابلين على طاولة المفاوضات فإنه يمكن الجزم بأن الأمر سوف يحتاج المزيد من الوقت ومن جولات التفاوض ومن تحقيق المكاسب على الميدان ليصبح متاحا تحويلها إلى مكاسب سياسية. فقد استبقت روسيا جولة التفاوض ببسط لائحة طلبات هي في نهاية المطاف عبارة عن املاءات تفضي إلى استسلام الطرف الأوكراني حيث تطلب روسيا تجريد أوكرانيا من السلاح والتخلص من النازيين وتعهد كييف رسميا بالاحجام عن مساعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وملازمة الحياد التام في صراع روسيا مع الغرب، علاوة على اعتراف أوكرانيا بجمهورية «دوناتسك ولوغانسك» في اقليم «الدمباس» وهو ما يعني فرض تحجيم مساحة أوكرانيا بشكل يضعفها ويحولها إلى كيان صغير يعجز من أن يطمح للوقوف بندية في وجه الدب الروسي. هذه المطالب الروسية تواجهها أوكرانيا هي الأخرى بتصعيد سقف طلباتها. حيث باتت تطلب خروج القوات الروسية بالكامل من التراب الأوكراني كما تطلب سيادتها الكاملة على اقليم «الدمباس» ما يعني اسقاط اعتراف روسيا بجمهوريتي «لوغانسك ودانستك» والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل ان سلطات «كييف» باتت تطلب استعادة شبه جزيرة القرم التي كانت فعليا نصيب روسيا من تركة الاتحاد السوفياتي والتي تعد ورقة حيوية في استراتيجيات روسيا الدفاعية ولن تتخلى عنها موسكو ولو دخلت في مواجهة نووية. ما العمل إذن إزاء هذا الوضع وما المطلوب حتى ينزل الطرفان من الشجرة ليلتقيا عند نقطة تستجيب لمخاوف وهواجس روسيا وتحقق أمن أوكرانيا وتؤمّن سيادتها وحرمتها الترابية؟ سوف تبقى الأمور معلقة على حقائق الميدان أولا وعلى موازين القوى على الأرض، ثانيا في ضوء الهبة الأمريكية الأوروبية لمساعدة أوكرانيا.. وعلى مدى استقلالية القرار الأوكراني ثالثا حيث باتت أوروبا وأمريكا بمثابة الطرف المباشر في النزاع وهي تطمح إلى توجيه الصراع من خلال ما تضخه من سلاح وأموال وما تفرضه على روسيا من عقوبات اقتصادية.. ولعل أهم عنصر من وراء كل هذا هو صراع الارادات بين روسيا من جهة وأمريكا بالخصوص التي تقف وراء أوكرانيا لأن روسيا في هذه الحرب تلعب ورقة فرض نفسها كقطب دولي في نظام عالمي متعدد الأقطاب.. فيما تلعب أمريكا ورقة استمرارية النظام العالمي الحالي احادي القطبية والواقع تحت هيمنتها... وحين نستحضر هذه الحقيقة نكون قد أمسكنا ببعض الأوراق الخفية التي دفعت الرئيس بوتين إلى التلويح بورقة السلاح النووي. عبد الحميد الرياحي