تونس «الشروق» تتعرض سوريا هذه الايام الى «تحرشات» واستفزازات متواصلة من قبل الإدارة الامريكية التي لا تتردد بين الفينة والأخرى في تكثيف ضغوطها على دمشق من خلال اتهامها تارة باحتلال لبنان وتارة أخرى بدعم ما تصفه ب «الارهاب» وتسهيل مرور «مقاتلين اجانب» الى العراق... وقد عبّرت دمشق عن ذلك صراحة على لسان وزير خارجيتها فاروق الشرع الذي اكد انه كلما زادت الضغوط على القوات الأمريكية في العراق الا وزادت في المقابل التحرشات الامريكية بسوريا. واللافت ان هذه «الهجمة» على سوريا لم تتوقف منذ احتلال العراق حيث واصل مسؤولون امريكيون تصريحاتهم الاستفزازية التي يتهمون فيها دمشق بما يستحق «العقاب» لينتزعوا منها مزيدا من «التنازلات». وقد انتقلت الاتهامات الامريكية بعد احتلال العراق من «تهريب» اسلحة عراقية الى سوريا الى ايواء دمشق لمسؤولين في النظام العراقي السابق مرورا برعاية «المنظمات الارهابية» في نظر امريكا وصولا الى الوقوف «حجرة عثرة» امام التسويات السياسية الامريكية وعرقلة جهود السلام، وفق ما يدعيه المسؤولون في واشنطن. ورغم الديبلوماسية التي تعاملت بها دمشق مع هذه الضغوطات وفي الردّ على هذه الاتهامات فإن واشنطن دأبت على مقابلة هذه الديبلوماسية السورية بضغط اكبر وأكثر احراجا مما دفع بعدد من المراقبين الى حد القول بأن هذه الضغوط تخفي وراءها على الارجح امرا خطيرا قد تكون بموجبه سوريا الهدف القادم لامريكا بعد افغانستان والعراق. بل ان هذا ما جاء صراحة على لسان نائب وزير الخارجية الامريكي ريتشارد ارميتاج الذي قال بالحرف الواحد ان الولاياتالمتحدة قد تقوم بعمل عسكري ضد بعض الدول وذكر سوريا بالاسم... فماذا تريد امريكا من سوريا إذن؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تجعلنا نستحضر تصريحات كان قد أدلى بها سفير إسرائيل لدى واشنطن في ماي من العام الماضي دعا فيها بالخصوص إلى تغيير النظام في سوريا وإيران مقترحا انتهاج ما وصفها ب»أساليب» العزلة الديبلوماسية والعقوبات الاقتصادية مع ممارسة الضغط النفسي... ولعل المتأمل في السياسة الأمريكية المتبعة حيال دمشق حاليا يلاحظ بلا أدنى شك أن هذا بالضبط ما تمارسه واشنطن اليوم ضد سوريا خصوصا بعد إصدارها ما يسمى قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان مؤخرا. فموقف سوريا من القضية الفلسطينية ووقوفها إلى جانب لبنان جعلا من دمشق دولة غير مرغوب فيها وداعمة ل»الإرهاب» حسب ما يقوله المسؤولون الأمريكيون.. كما أن تشديد دمشق على شرعية المقاومة في العراق جعل منها أيضا دولة وجب «تأديبها» في نظر أمريكا... والمتابع للعلاقات السورية الأمريكية لا يحتاج إلى كثير من الاجتهاد ليدرك في المقابل أن قلق واشنطن من سوريا ناتج أساسا عن «القلق» الذي تعيشه إسرائيل من دمشق... وليس من المجانبة للصواب أن يؤكد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع مؤخرا في هذا الصدد أن إسرائيل هي مصدر متاعب أمريكا في العراق وأنها (إسرائيل) تقف وراء أية علاقة متأزمة بين الولاياتالمتحدة وأية دولة عربية وقد ذهب البعض من المحللين إلى حدّ التأكيد بأن الحروب التي تشنها الولاياتالمتحدة ضد دول المنطقة إنما هي حروب إسرائيلية بالوكالة بل أن هذه الحقيقة أكدها الجنرال أنطوني زيني قائد القيادة المركزية الأمريكية السابق الذي قال بالحرف الواحد ان أسوأ خبر تم كتمانه في واشنطن هو أن المحافظين الجدد شجعوا الحرب الأخيرة على العراق لا لشيء إلا لمصلحة إسرائيل... ومن هنا يتضح بشكل جلي من هو المستفيد من الاهداف المعلنة والمطالب التي تدعو الولاياتالمتحدة سوريا لتنفيذها بالحرف والتي يأتي في مقدمتها تقليم «أظافر» «حزب الله» اللبناني وفي آخرها «التطبيع» مع اسرائيل مرورا بعدم معارضة مواقف أمريكا في العراق وفلسطين إضافة الى الدعوات المتواترة لانهاء الاحتلال السوري للبنان (في نظر أمريكا) لما من شأنه أن يفسح المجال في النهاية أمام اسرائيل والولاياتالمتحدة لتحقيق أهدافهما وبسط هيمنتهما على المنطقة ونزع «جذوة» المقاومة في كل من العراق وفلسطين ولبنان... ولا يخفى على أحد في هذا الجانب ان حملة «الترهيب» التي تمارسها الولايات المتجدة ضد سوريا من خلال المراوحة بين «كيل» الاتهامات والتلويح بفرض عقوبات انما تهدف بالخصوص الى «إخراج» دمشق من صف المواجهة وترك لبنان وفلسطين وحدهما في مواجهة مكشوفة مع اسرائيل وأمام أمريكا الامر الذي من شأنه أن يمهّد كما قال وزير الاعلام السوري الجديد مهدي دخل الله ل «الجزيرة» الى «حل» الصراع العربي الاسرائيلي على حساب سوريا ولبنان... لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح في ضوء هذه المعطيات وبالنظر الى الاوضاع التي تعيشها المنطقة هو ما الدور الذي بإمكان العرب ان يلعبوه لصد هذه الهجمة التي تستهدف سوريا خاصة ان «درس» العراق ليس ببعيد ولا يزال عالقا في الاذهان؟ انه بالنظر الى الغزو الامريكي للعراق و»الشرخ» العميق الذي أحدثه احتلال هذا البلد في الخارطة الاستراتيجية العربية كما في مسار العلاقات الدولية فإن الضرورة تقتضي اليوم «التفافا» عربيا حول سوريا ودعمها بكافة الامكانات المتاحة مع عدم تركها عرضة لعدوان أمريكي (أيا كانت أشكاله) لأن ترك دمشق بمفردها في «الواجهة» سيفتح الطريق على مصراعيها امام أمريكا ل»الانقضاض» على الآخرين ذلك انه قد اتضح بالكاشف ان الولاياتالمتحدة وربيبتها اسرائيل لا يريد ان دولة عربية قوية متماسكة ولها موقف مختلف ولو نسبيا مع الادارة الامريكية وانما ما يريد انه هو دولة عربية متماثلة مع ارادتهما (أمريكا واسرائيل) ومصالحهما الامر الذي من شأنه ان يؤدي في النهاية الى تحقيق «السلام الاسرائيلي» وتركيع دول المنطقة واحدة بواحدة حتى يتحقق بذلك حلم اسرائيل مع الفرات الى النيل. وبناء على ذلك فإنه في حال لم يتمكن العرب من «اتقان» اللغة في التعامل مع أمريكا و»اللعب» على وتر الديبلوماسية لصد الضغوطات التي تتعرض لها سوريا فإن «السيناريوهات» ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات والخيارات ما دامت الدولة العظمى في العالم تساس من قبل جماعة المحافظين الجدد الذين هاجسهم الوحيد اسرائيل.. ولا شيء سوى اسرائيل وإن كان ذلك على حساب أمريكا ذاتها.