بعد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين" خنق" الاوروبيين عبر ملف الغاز بسبب النزاع المندلع في اوكرانيا ووقوف الغربيين ضدّ موسكو، يبدو أن "قبلة الحياة" بالنسبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هي الحجّ الى الجزائر. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي ظلّ يكابر ويهاجم الجزائر حتى وصل به الأمر الى التشكيك في كونها كانت أمة قبل الاستعمار، داس على قلبه وغروره السياسي وقرّر الذهاب الى الجزائر طالبا العون والمدد من الغاز كما فعلت قبله ايطاليا. لماذا تجاوز ماكرون كبرياءه وغطرسته تجاه الجزائر؟ الاجابة هي أن الغاز والنفط أصبحا سيفا مسلّطا على رقاب الحكومات الاوروبية التي اتجهت يمنة ويسرة للبحث عن الخلاص لشعوبها. وكما هو الحال دائما وقت الأزمات الشديدة، انفرط عقد الوحدة الأوروبية وأصبح كل طرف يبحث عن مصالحه الخاصة بعيدا عن التعالي ولغة القوة وخاصة منطق الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويبدو أن الاوروبيين فهموا ولو بصفة متأخرة أن الواقع تغيّر ويجب التعامل على هذا الأساس مستقبلا، وفي علاقة فرنسابالجزائر تحديدا تغيّر الواقع كثيرا ولم يعد الأمر بالغاز وحده بل بالنفوذ والمكانة الإقليمية الجديدة للجزائر. فهم ماكرون ذلك جيّدا الآن، لذلك قال على مضض أنه لم يأت للجزائر ليتسوّل الغاز- وإن كان الأمر كذلك فعلا- بل لإحياء الشراكة مجدّدا بعد الهزات العنيفة التي ضربتها الأشهر الأخيرة. فالجزائر اليوم ، تحتلّ المرتبة الأولى كأكبر دولة مُنتجة للغاز في إفريقيا، علاوةً على كونها تسبح على بحيرة من النفط، وتعتبر أضخم دولة إفريقيّة من حيث المساحة، (2,300 مِليون كيلومِتر مكعّب). لذلك يعوّل ايماونيل ماكرون على الجزائر التي شكرها بالمناسبة على زيادة إمداداتها عبر خطّ أنابيب غاز "ترانسميد" الذي يغطُي إيطاليا مؤكِّدا أن "هذه الخطوة الجزائريّة تسمح بتعزيز تنوّع مصادر الطّاقة في أوروبا"، بعدما كانت تعتمد على الغاز الروسي (الجزائر تُزوّد أوروبا بحواليّ 11 بالمِئة من احتِياجاتها من الغاز). الملاحظ من الجانب الجزائر أن التعامل مع الرئيس الفرنسي كان بمبدإالند للندّ بعيدا عن الغطرسة والنظرة الاستعمارية لذلك قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عند توقيع إعلان "الشراكة المتجدّدة" إنه "اتفقنا على مستقبل يهم الطرفين". وهذا يعني أن العلاقة مستقبلا لن تكون من طرف واحد مسيطر يعتبر الآخر تابعا له، وإنما علاقة احترام قائمة على المصلحة المشتركة وعلى الندّ للندّ في ظلّ المكانة الاقليمية والدولية المتصاعدة للجزائر. يبقى فقط العائق بين البلدين هو كيفية تجاوز أزمة ملف الذاكرة الذي وإن اعترف به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلا أنه ظلّ يتهرّب من الاعتراف الصريح بالماضي الاستعماري لبلاده والاعتذار الرسمي عنه. ربّما يتخوّف الجانب الفرنسي من تبعات الاعتذار الرسمي الذي يعني تعويضات بملايين الدولارات ولكن الأمر سيظلّ أمرا حتميا اذا ما أرادت فرنسا فعلا تدشين صفحة جديدة ناصعة مع الجزائر. بدرالدّين السّيّاري