إغلاق معبر راس جدير الحدودي بين تونس وليبيا نتيجة توترات أمنية في الجانب الليبي وما تسبب به ذلك من تعطل لمصالح الشعبين الشقيقين واستياء من مواطني البلدين يُعيد إلى طاولة الأحداث مرة أخرى ضرورة إيجاد حلول جذرية تُفضي إلى الاستقرار التام والنهائي في الدولة الجارة بما يحفظ أمنها واستقرارها ويعيد لها دورها الذي لعبته سابقا قبل ما يعرف بالربيع العربي الذي جلب حالة الفوضى بها وبكل الدول التي مرّ بها. فلا ريب أن الشقيقة ليبيا تعدّ العمق الحيوي لتونس كما أن بلادنا الامتداد الاستراتيجي للدولة الجارة وأية أحداث من أي نوع كانت أمنية أو سياسية أو اقتصادية تحدث في إحداهما فإنها تؤثر على الأخرى بصفة مباشرة وهو ما يستدعي العمل الدؤوب والمستمر والتنسيق المتواصل من أجل الارتقاء بالعلاقات إلى أفضل مما هي عليه على جميع الأصعدة مهما كانت الأصوات التي تحاول التشويش على عمق الوشائج والترابط التاريخي الذي يجمع البلدين الشقيقين. فلطالما مثلت تونس حاضنة كبيرة ومؤثرة لليبيا بمنطق الإخاء والجوار والعلاقات التاريخية الكبرى زمن الحصار الذي تم فرضه عليها إثر حادثة لوكربي أو عندما وفد ما يقارب المليون من الأشقاء على بلادنا إثر الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي في 2011 وفُتحت لهم قلوب وبيوت التونسيين بكل إيثار ومحبة ومازال العديد منهم أشقاء مبجلين وليسوا ضيوفا في تونس كما كانت الجارة على الدوام سندا اقتصاديا وأمنيا خاصة زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي حيث كان للدعم الاقتصادي وللتبادل التجاري دور كبير في النهوض بالاقتصاد الوطني. ومهما حفّت بالعلاقات الثنائية المشتركة من غيوم سرعان ما تنقشع فإنها كلها لا تعبّر عن عمق العلاقات وتجذّرها في التاريخ حيث تجمع بيننا وشائج الدم والقرابة والمصاهرة وكذلك النضال المشترك ضد المستعمر الفرنسي في بلادنا والإيطالي في ليبيا وهو ما يجعل كل حدث جانبي يتكسّر على صخرة عمق الود الذي يجمع البلدين. ويبقى من المهم اليوم أن ندعم حضورنا في كل الجهود الإقليمية والدولية التي ترمي إلى إعادة الاستقرار السياسي في ليبيا ضمن مقاربة وحلول ليبية-ليبية تنبع من إرادة الشعب الليبي الشقيق خاصة وأن التأثير والدور التونسي حتى لو حاولت بعض الألسن التقليل من أهميته فإنه يبقى مهما ومؤثرا في إطار كل المعادلات الجيوستراتيجية الممكنة وهو ما ينبغي العمل على تدعيمه لأن مصلحة ليبيا هي مصلحة تونس وهي العمق الاستراتيجي والشقيق الذي لا غنى عنه والذي لن تؤثر على علاقاتنا به ما يحدث في راس جدير أو بعض التصريحات التي لا يُعتدّ بها. هاشم بوعزيز