لطالما ادعت المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن توصياتها وشروط إقراضها لا تنبع من أيديولوجيتها بقدر ما هي نتاج بحوث دقيقة ومؤطرة ضمن سياقات محددة بهدف معالجة المشكلات التي قد تواجهها الدول على مستوى ميزان المدفوعات. ويرد القول بأن الإصلاحات المقترحة تتماشى مع حقوق الإنسان وتراعي المعايير الدولية للعيش الكريم من بين المزاعم الشائعة الأخرى التي يتم الترويج لها. وتكرس سرديات المؤسسات الدولية في علاقة بمسائل الضمان الاجتماعي بعض هذه الالتزامات المزعومة. يأتي هذا الطرح في تقرير جديد أصدره المرصد التونسي للاقتصاد يوم الخميس الفارط 18 افريل 2024 بين فيه أنه على الرغم من ذلك، تدفع شروط المؤسسات المالية الدولية البلدان، على أرض الواقع، الى إدخال إصلاحات كبيرة على أنظمة الضمان الاجتماعي لديها، وتعزيز انتهاج سياسات تزعم أنها "تعويضية" أو أكثر فعالية في مواجهة التكاليف الاجتماعية الباهظة للتقشف مشيرا الى ان الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي تعمل على تغيير ديناميكيات أنظمة الضمان الاجتماعي، ولا سيما منظومة الدعم على وجه الخصوص، من خال التدمير الممنهج والتدريجي لأنظمة التغطية الشاملة والمعممة. وفي السياق ذاته، فرض البنك الدولي حزمة من الإصلاحات على أنظمة الضمان الاجتماعي للانتقال نحو برامج أكثر استهدافا تعتمد التحويلات النقدية كآلية للتصدي للفقر والتفاوتات الاجتماعية. وكشف تقرير المرصد عن الأضرار التي ألحقتها كلّ من السياسات الرامية إلى استبدال منظومة الدعم وغيرها من الإصلاحات التي تدعمها المؤسسات المالية الدولية بالحماية الاجتماعية في خمسة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي مصر ولبنان والأردن والمغرب وتونس حيث تم تسليط الضوء على التشابهات المذهلة بين الإصلاحات المقترحة في شتى بلدان المنطقة دون مراعاة للسياقات المختلفة. واستعرضت وثيقة المرصد كيف أن "وصفة الاصلاحات" المقترحة هذه لم تفشل في حلّ المشكلات التي تعاني منها هذه البلدان على مستوى ميزان المدفوعات فحسب، بل قوضت كذلك إمكانية وصول الناس الى خدمات الحماية الاجتماعية، وكرست التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية القائمة من خلال تدهور مؤشرات الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية على غرار توافر هذه الخدمات العمومية والمقدرة على تحمل تكاليفها. ويشمل ذلك أيضا الحيلولة دون الحصول على عدة حقوق مثل الحق في الضمان الاجتماعي، والحق في الغذاء وفي نظام غذائي صحي، والحق في الصحة، والحق في التعليم، والحق في الحياة الكريمة. الأخبار