وفاة أول مريض يخضع لزراعة كلية خنزير معدلة وراثيا    رئيس أركان جيش الاحتلال يعلن تحمله المسؤولية عن هزيمة الكيان الصهيوني في 7 اكتوبر    يوميات المقاومة.. كبّدت قوات الاحتلال خسائر جديدة .. المقاومة تعيد تنظيم قواتها شمال غزّة    عاجل/حادثة "حجب العلم"..الاحتفاظ بهذا المسؤول..    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أمام دعوات لمقاطعتها ...هل «يضحّي» التونسي بأضحية العيد؟    سوسة حجز 3000 صفيحة من القنب الهندي وحوالي 15 ألف قرص من مخدّر إكستازي    لأول مرة منذ 37 عاما.. الرجال أكثر سعادة بوظائفهم من النساء    القيروان: غرق ثلاثة شبان في صنطاج ماء بالعين البيضاء    كرة اليد: الترجي يتفوق على المكارم في المهدية    بلاغ هام لرئاسة الحكومة بخصوص ساعات العمل في الوظيفة العمومية..    وزير الخارجية يُشيد بتوفر فرص حقيقية لإرساء شراكات جديدة مع العراق    العثور على شابين مقتولين بتوزر    باجة: اطلاق مشروع "طريق الرّمان" بتستور لتثمين هذا المنتوج و ترويجه على مدار السنة [صور + فيديو]    الجامعة العامة للإعلام تدين تواصل الايقافات ضد الإعلاميين وضرب حرية الإعلام والتعبير    حفوز: العثور على جثث 3 أطفال داخل خزّان مياه    افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك وسط العاصمة لعرض منتوجات فلاحية بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    البطولة العربية لالعاب القوى (اقل من 20 سنة): تونس تنهي مشاركتها ب7 ميداليات منها 3 ذهبيات    رسمي.. فوزي البنزرتي مدربا للنادي الإفريقي    وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال    سليانة: عطب في مضخة بالبئر العميقة "القرية 2 " بكسرى يتسبب في تسجيل إضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب    التهم الموجّهة لبرهان بسيّس ومراد الزغيدي    جربة.. 4 وفيات بسبب شرب "القوارص"    وفاة 3 أشخاص وإصابة 2 اخرين في حادث مرور خطير بالقصرين    المحكمة الابتدائية بسوسة 1 تصدر بطاقات إيداع بالسجن في حق اكثر من 60 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقيا جنوب الصحراء    رجة أرضية بقوة 3.1 درجة على سلم ريشتر بمنطقة جنوب شرق سيدي علي بن عون    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    مؤشر جديد على تحسن العلاقات.. رئيس الوزراء اليوناني يتوجه إلى أنقرة في زيارة ودّية    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    زهير الذوادي يقرر الاعتزال    ر م ع الصوناد: بعض محطات تحلية مياه دخلت حيز الاستغلال    في الصّميم ... جمهور الإفريقي من عالم آخر والعلمي رفض دخول التاريخ    النساء أكثر عرضة له.. اخصائي نفساني يحذر من التفكير المفرط    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    المالوف التونسي في قلب باريس    الناصر الشكيلي (أو«غيرو» إتحاد قليبية) كوّنتُ أجيالا من اللاّعبين والفريق ضحية سوء التسيير    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    سبيطلة.. الاطاحة بِمُرَوّجَيْ مخدرات    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    عاجل : برهان بسيس ومراد الزغيدي بصدد البحث حاليا    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    حل المكتب الجامعي للسباحة واقالة المدير العام للوكالة الوطنية لمقاومة المنشطات والمندوب الجهوي للشباب والرياضة ببن عروس    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القدرة النووية الإيرانية، الأوهام والحقائق(1)
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

تتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وبالطبع اسرائيل، إيران بمحاولة تطوير برنامج نووي ذا صبغة عسكرية، وخاصة بعد اتفاقها مع روسيا لبناء مفاعلين نووية في موقع (بوشهر) الذي بدأ بناؤه خلال السبعينات وقصف في الحرب العراقية الإيرانية. وفي المقابل تنفي طهران وجود نية مبيتة لتصنيع أسلحة نووية ذات صبغة عسكرية. وتدعي أن برنامجها سلمي وتحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإيران موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لسنة 1968، وهذا طبقا لموقفها كاف لاثبات نواياها السلمية، غير أن الإشكال يقع في أن توير برنامج نووي سلمي يعتبر الخطوة الأولى لبناء برنامج عسكري. نظرا لكون الناتج الجانبي من مفاعلات توليد الطاقة الكهربائية هو عنصر البلوتونيوم وبعد تنقيته من الشوائب يبح صالحا لتصنيع الرؤوس النووية، وهذا هو الطريق الأسهل لتصنيع الأسلحة، أما الطريق الثاني الأكثر تعقيدا هو توافر محطة تخصيب لليورانيوم الطبيعي ليصبح مشبعا بدرجة %9 وعند ذلك يصلح لتصنيع القذائف النووية، وتنقية البلوتونيوم من الشوائب يعتبر أسهل من بناء محطة التخصيب وأقل كلفة، ويمكن اخفاء المحطة بسهولة أو حتى المخابر الحارة كما تسمى تحت الأرض كما فعلت اسرائيل ببنائها مثل هذه المحطة تحت مفاعل (ديمونا). وان كانت استطاعت أيضا سرقة يورانيوم مخصب جاهز لتصنيع رؤوس نووية بالتواطؤ مع أمريكا ودول أوروبية كما استوردته من جنوب افريقيا، ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد على التأكد من أن البلوتونيوم الناتج عن تشغيل المفاعلات يعاد تصديره إلى دول أوروبية أو روسيا أو أمريكا أو اليابان للتخلص منه، وهنا توجد في الواقع الثغرة التي قد تسمح بالغش إذا أرادت دولة ما تصنيع السلاح النووي اذ أن زيارة المراقبين الدوليين دورية وتتم كل عدة أشهر، فإذا أرادت ايران مثلا المراوغة في حالة الضرورة فيمكنها فعل ذلك بعد تهيئة القدرة الفنية المطلوبة. وهناك طريق آخر لبناء السلاح النووي بمعزل عن البرنامج السلمي وهو ما حاول العراق اتباعه، أي بناء جهاز وبرنامج عسكري مستقل تماما لكي يتجنب الدخول في نزاع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن أمريكا واسرائيل والغرب عموما لن يسمحوا لدولة عربية بحيازة القدرة النووية العسكرية وحتى السلمية، وهذا كان أحد الأسباب لاحتلال العراق.
وفي جميع الأحوال فإن البرنامج النووي الإيراني لا يزال في مراحله الأولى، ولكنه نظرا للوضع غير المستقر في الخليج العربي والتوتر المستمر بين ايران من جهة وأمريكا واسرائيل من جهة أخرى، اضافة لعدم وضوح النوايا الايرانية فإن الشكوك والقلق ما انفك يتزايد لدى المجموعة والاقليمية الدولية وخاصة في ضوء طبيعة النظام الايراني الراهن، والذي يتعرض لحصار من طرف أمريكا الشيء الذي يزيد الكثير من الغموض في نوايا ايران، هل هي دفاعية محصنة والسلاح النووي للردع...؟ أما أنها توسعية وبالتالي يعتبر السلاح النووي وسيلة تهديد وابتزاز...؟ وسنلقي أولا نظرة على القدرة النووية المتوفرة حاليا والبرنامج المستقبلي لايران، ومن ثم نناقش النوايا والدوافع والمضامين الأمنية في حال تطويرها سلاحا نوويا.
القدرة النووية
تؤكد إيران أن حاجتها للطاقة النووية تنبع من احتمال انتهاء احتياطي مخزونها النفطي ومن الغاز الطبيعي 30 أو 50 عاما كحد أقصى، وعليها من الآن توليد الطاقة الكهربائية وكل متطلبات الحياة العصرية الآمنة المنبثقة والمتفرعة من الهندسة النووية، قد يكون هذا حقا مشروع ولكن ليس كافيا لنفي وجود نوايا لتطوير برنامج عسكري مستقبلا وامتلاك الخيار النووي قصد استخدامه عند الضرورة، لقد بدأ البرنامج النووي الإيراني خلال عهد الشاه بمفاعل أبحاث صغير بجامعة طهران بقوة 5 ميغواط تم شراؤه من الولايات المتحدة، وهو يستخدم للتدريب على فصل البلوتونيوم من ناتج الوقود، وإن كانت طاقته لا تكفي لصناعة قنبلة إلا أنه كان حافزا قويا لدى الإيرانيين على الاستمرار في ذات المنهج، وكانت الخطوة الكبرى جاءت في السبعينات مع ارتفاع أسعار النفط وطبقا لنصائح ومساعدة رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة النووية انفق الشاه حوالي 10 بلايين دولار لبناء محطة (بوشهر) القوية من قبل ألمانيا الغربية ولكن الشركة توقفت عن العمل سنة 1980 بعد قيام الثورة، وبعد سنوات قليلة تم الاعلان عن الاتفاق مع روسيا لاكمال بناء المحطة وتزويدها بمفاعلين طاقة كل منهما 1200 ميغاواط، وفي عهد الشاه أيضا جرى التفاوض حول بناء محطة في (دار خوفين) طاقتها 935 ميغاواط ولكن لم يتم تشييدها ومن المعتقد أن الموقع قد يستخدم لبناء احدى المحطتين النوويتين التي اتفق عليها مع الصين حديثا، والثانية قد تقام في أصفهان حيث يوجد مفاعل أبحاث صيني زود سنة 1987 قادر على تخصيب اليورانيوم طبقا لنظام الكالترون، ولكن ليس بدرجة كافية لتصنيع السلاح النووي. وهناك موقع (غورغان) حيث يخطط لبناء محطة بمفاعلين بمساعدة روسيا طاقة كل واحد 440 ميغاواط، وإلى جانب ذلك هناك منجم لليورانيوم الطبيعي في منطقة (يزد) يجري العمل على تهيئة منافذه ليتم استغلاله مع مطلع العام 2005، قد لا يصل البرنامج النووي الحالي في إيران إلى ما كان الشاه يطمح ويخطط له وهو بناء 23 محطة نووية ومركز أبحاث، ولكن مع استكمال هذه المفاعلات خلال الخمس سنوات القادمة فمعنى ذلك أن ايران ستتوفر لها قاعدة نووية هامة، ومن الملفت للنظر أنه منذ عهد الشاه وجد توجه لتهيئة كوادر فنية للتخصص في صنع الأسلحة النووية بصورة سرية طبقا للتقارير المتداولة هذه الأيام، وحسب تقرير أمريكي سري يقول أنه بالاضافة الى ارسال ايران الشاه العديد من الخبراء والمهندسين إلى جميع أنحاء العالم ليجمعوا ما يمكن جمعه حول الأساليب والطرائق التي يجب اتباعها لصنع القنبلة النووية، فإن إيران الشاه تعاقدت مع جنوب افريقيا في سنة 1976 لتوريد كمية من اليورانيوم الطبيعي قدرت قيمتها بحوالي 700 مليون دولار، ولكن ليس من المؤكد فيما اذا تمكنت ايران من الحصول عليها بعد تخصيبها في أمريكا وأوروبا، على أن بعض التقارير تشير الى النظام الحالي في ايران تمكن من شراء يورانيوم مخصب بدرجة خفيفة من الجزائر بعد أن حصلت عليه الأخيرة من الأرجنتين سنة 1986، وكذلك وقع الايرانيون عقدا مع الأرجنتين سنة 1987 لشراء يورانيوم مخصب بدرجة %2 كوقود لمفاعل طهران بقيمة 5,5 ملايين دولار.
واضافة للتعاون النووي مع روسيا منذ 1989 والصين في منتصف الثمانينات فإنه يجري الآن التعاون على نطاق واسع مع الباكستان والهند وكوريا الشمالية، وإذا كانت روسيا والصين لن تساعدا ايران في تطوير الأسلحة النووية أو مخططات فصل البلوتونيوم وتخصيب اليورانيوم لدرجة عالية، فهناك خوف من أن تقوم الباكستان وكوريا الشمالية بذلك. ولا يجب أن نتغافل عن توافر كوادر ايرانية عالية التدرب ودقيقة التخصص، وطبقا للمؤشرات المتوافرة حاليا فإنه اذا تابعت ايران برنامجها الحالي ومن خلال بعض المساعدة الخارجية من قبل كوريا الشمالية أو الباكستان فقد تتمكن إيران من تطوير أسلحة نووية خلال السنوات القليلة القادمة، قد تكون القنبلة النووية الإيرانية بدائية لكنها تكفي لتوجيه تهديد جدي لجيرانها (هكذا تتحدث التقارير)، فوسائط ايصال مثل هذه الرؤوس النووية تكفي أن تكون طائرات النقل العسكرية العادية، وهذا يعود لوزنها الذي يبلغ خمسة أطنان على الأقل، أما الرؤوس المتطورة لوضعها في صواريخ مثل سكود أو سي والتي تمتلكها ايران، أو ايصالها بالطائرات العسكرية القاذفة، فهذه تحتاج لخبرة لا تملكها ايران حاليا أو حتى في السنوات القليلة القادمة ما لم تتحصل على مساعدة مباشرة من دولة طورت مثل هذه الرؤوس، فهي عادة ذات وزن خفيف، وجهاز التفجير فيها معقد للغاية، علما أن وزن البلوتونيوم يبلغ 5.76 كلغ واليورانيوم حوالي 15 كلغ فقط، إذا ما صنعت القنبلة النووية من احدى هاتين المادتين.
النوايا والدوافع
السياسة المعلنة للنظام الايراني الآن، هي أن البرنامج النووي سلمي وكل شيء يجري طبقا لأنظمة الوكالة الدولية، غير أن هذا لا يكفي لنفي السعي لبناء البنية التحتية المشتركة بين برناج سلمي وعسكري، فطالما أن المواد النووية توافرت وكذلك الخبرة والوسائل التقنية فمعنى هذا تملك الخيار النووي، فنيّة الشاه في امتلاك الخيار النووي ذات التوجه العسكري كانت واضحة لضخامة البرنامج الذي خطط له وقيامه بخطوات في هذا المجال وهو كان حليفا وفيّا لأمريكا.. (؟) الغريب أن أمريكا كانت لا تمانع في تحقيق الشاه لهذا الهدف (؟)، والنظام الايراني الراهن خلال الحرب مع العراق أعطى بعض الاشارات في نية ايران امتلاك القنبلة النووية، ففي سنة 1987 أعلن علي خامنئي، ولم يكن مرشدا للثورة عصر ذاك في خطابه لمنظمة الطاقة النووية الايرانية : بأننا نحتاج للطاقة النووية الآن، لأن أمتنا باتت مهددة من الخارج، وأقل ما نفعله هو اعلام أعدائنا بأننا قادرون علي الدفاع عن أنفسنا بوسائل غير تقليدية..)، وعندما كان رفسنجاني رئيسا للبرلمان سنة 1988 وقائدا عاما للقوات المسلحة قال في خطاب موجه للجيش الايراني : يجب تزويد أنفسنا بكلا الأسلحة الهجومية والدفاعية من كيميائية وبكتيريولوجية ومشعة)، مثل هذا الكلام لا ينطبق على برنامج سلمي كما تدعي طهران الآن، ومن الممكن القول أنه قيل ابان الحرب مع العراق للتخويف والاربا، ولكن الحرب توقفت الآن وانتهى النظام العراقي الذي كانت ايران تعتبره عدوها الأول، ومع ذلك فإن البرنامج النووي الايراني مازال مستمرا، ومازال النظام ا لايراني يسعى بكل الوسائل لامتلاك ذلك السلاح الخطير وذلك للأسباب التالية : أولا، يعطي امتلاك مثل هذا السلاح أهمية أكبر للدولة، أي ما يسمّى بالاعتبار، وخاصة أن النظام الايراني يدعي القيادة الاسلامية، وثانيا فإن العداء لأمريكا والتوتر في الخليج الناجم عن احتلال العراق، ومشكلة الجزر الثلاثة مع الامارات، يضاف الى ما سبق التوتر المستمر مع أمريكا واسرائيل، كل هذا يشكل دافعا قويا لإيران للسعي نحو امتلاك السلاح النووي سواء كقوة ردعية ضد هجوم خارجي اذا أعطت ايران حسن النية بأن نواياها دفاعية فقط، أو كوسيلة تهديد لتحقيق مطامعها ومطامحها بالهيمنة على دول الخليج كدولة اقليمية كبرى، على أن تملك السلاح النووي أمر والمضامين الناجمة عنه أمرا آخر.
المضامين الأمنية
بلا مراء ومن الجلي والواضح إذن أنه لدى ايران طموح نووي، وهذا لا يتعلق بالنظام الراهن وإنما يعود لعهد الشاه وخاصة بعد أن حاول تنصيب نفسه (جندرمة الخليج) بعد انحصار النفوذ البريطاني في مطلع السبعينات، وفي ذلك الوقت لم تمانع أمريكا وأوروبا الغربية، كما لم يحاول أحد احباط جهودها لأن الحرب الباردة كانت تضع ايران في صف التحالف الغربي.. واعتبر نظام الشاه عاملا مساعدا لحماية مصادر النفط وممراته البحرية في الخليج العربي، لكن الوضع يختلف اليوم تماما، فالنظام الاسلامي معزول دوليا ومحاصر في كل مكان والحرب على أشدها لتخريب اسسه، ويعلم الجميع أنه في المراحل الأولى من الثورة الايرانية أراد الخميني تصدير الثورة الى الدول العربية والاسلامية وخاصة الدول المجاورة كالعراق ودول الخليج الأخرى، وإذا كان هذا الشعار قد اختفى من التصريحات العلنية بعد موت الخميني، فلا تزال هناك شكوك قوية بكون طهران خلف دعم بعض الحركات الاسلامية (المتطرفة) في العالم العربي، كما هي تتبنّى موقفا علنيا ضد عملية التسوية السلمية للصراع العربي/ الاسرائيلي التي بدأت في مدريد، وسواء كان هذا الموقف الأخير دعائيا أو حقيقيا فإن محصلته النهائية معاداة اسرائيل واستقطاب المنظمات المناهضة لها ك (حماس) و(الجهاد الاسلامي) الفلسطينتين اضافة للمنظمة التابعة لها أي (حزب اللّه) اللبنانية، ولكن نفس النظام الايراني لم يجد حرجا من ابتياع السلاح الاسرائيلي عبر الشركات الدولية خلال الحرب مع العراق، أو تلقيه مباشرة بإيعاز من أمريكا لإطلاق سراح رهائن أمريكيين في لبنان، وهذا من شأنه أن يلقي الشكوك حول اخلاص هذا النظام في مناهضة اسرائيل، ودعم سوريا ينخرط أيضا في هذا الخط أي اتخاذ موقف دعائي ضد اسرائيل لإعطاء رصيد للثورة الاسلامية في أعين العرب والمسلمين في العالم، ومهما كان من أمر فإن أمريكا واسرائيل أعلنتا مناصبة العداء للنظام الايراني الحالي ووضعتا وستضعان كل امكانيتهما المادية والاعتبارية لمنع ايران من امتلاك القنبلة النووية، وستعمل كلا الدولتين على تغيير النظام الايراني الحالي بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، فهل سنرى سيناريو احتلال العراق وتدمير بنيته الأساسية يتكرر في ايرانت..؟
إن حصول ايران على السلاح النووي يعني أولا دفن أية محاولة لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من هذا السلاح، ومن سخرية القدر ان ايران في عهد الشاه طرحت بالاشتراك مع مصر منذ سنة 1974 مشروع انشاء هذه المنطقة، وتمّ تبنّي قرار بهذا الشأن من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يزال النظام الايراني الحالي يؤيدها في العلن ولكن بنفس الوقت يتابع جهوده النووية كما تفعل اسرائيل التي صنعت أسلحتها مع نهاية الستينات، ونتيجة أخرى لحصول ايران على السلاح النووي ستكون دافعا لدول الخليج وبالأخص العربية السعودية للتمسك بالحماية الأمريكية أكثر مما هي عليه الآن لإصلاح الخلل في التوازن، فالسلاح النووي قد يكون من الصعب استخدامه من قبل ايران لأنه سيستدعي ضربة نووية مقابلة من اسرائيل أو أمريكا أكثر شدّة وتدميرا، ولكنه قد يعطي اغراء للنظام الايراني ليكون أ كثر جرأة في متابعة طموحه للهيمنة على الخليج.
إن القادة الايرانيين يعتقدون أن الرعب النووي سيردع أمريكا واسرائيل عن ضرب ايران مباشرة اذا شنّت حربا محدودة تقليدية ضد دولة خليجية عربية، والنتيجة الثالثة في ما إذا أصبحت ايران قوة نووية هي زيادة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فالقوة النووية الايرانية المنتظرة لن تكون موازنة للقوة الاسرائيلية أي في صالح الطرف العربي وهذا ناجم عن عدم كون ايران طرفا مباشرا في النزاع مع اسرائيل، فالعداء الايراني/ الاسرائيلي اذا كان صحيحا ولا يستخدم من قبل احدى الدولتين للدعاية السياسية أو لأمر آخر أكثر خطورة هو صراع على تبوّؤ مركز الدولة المهيمنة اقليميا، والعرب هم الخاسرون على جميع الجهات، وهم في كلا الحالتين الهدف الحقيقي للسلاحين النوويين الايراني والاسرائيلي ليس بهدف استخدامهما المباشر ولكن كعامل ابتزاز وتهديد، وإذا كان النظام الايراني يدعي حاليا العداء لإسرائيل فيمكن له تغيير هذا الموقف ولو في السرّ اذا وجد أن في صالحه عدم استمرار حالة العداء هذه، أو في ما اذا تمّ استبدال هذا النظام (الايراني الحالي) بآخر موال لأمريكا والغرب عموما، وعند ذلك قد تتغاضى واشنطن واسرائيل عن جهود ايران النووية، ففي المحصلة يمكن القول إن نوايا طهران النووية في الظروف الراهنة لا تصبّ في الصالح العربي بغض النظر عن العداء مع أمريكا وإسرائيل، لأن هذا العداء ليس جوهريا كالصراع العربي الاسرائيلي وانما ناشئ عن تضارب المصالح الآنية وهي مصالح قابلة للتغيير في أي لحظة.
قرع طبول الاتهام
هل اننا أمام الفصل النووي الختامي لما سمي ب (أزمة الشرق الأوسط)؟ السؤال فرض نفسه وسط هذا الضجيج المفتعل الذي انطلق من اسرائيل ليصيب وترا دقيقا وحساسا في واشنطن. وكما جرت عليه العادة في سياسة صهيون فان التصريحات والمواقف اتخذت منحى خطيرا ابتداء بالاستفزاز والتهديد ليثير في الصحافة ووسائل الاعلام الأمريكية والاسرائيلية قرع طبول الاتهام والبحث عن الأدلة والحقائق الوهمية التي من شأنها توريط ايران. وفي خضم الأحداث نتساءل، هل تمتلك ايران القدرة على تصنيع القنبلة النووية؟
سوف لن نجيب بنعم أو لا، ولكن المفارقة ستبدو نافرة وصارخة وغير قابلة للمقارنة اذا قارنا المحطة النووية الايرانية في (بوشهر) وهي التي بدأت العمل بها شركتان ألمانيتان سنة 1974، ثم أصيبت بأضرار فادحة من جراء الحرب مع العراق بين سنتي 1980 1988، والترسانة النووية الاسرائيلية بمواقعها المتعددة في (ديمونا) و(نهال سوريك) وبعض المواقع السرية الأخرى. وحتى لو أضفنا الى طهران القاهرة ودمشق وبغداد (قبل الاحتلال) وأبعد من ذلك باكستان يبقى الميزان النووي في المنطقة مضغوطا ضغطا لا سبيل لموازنته أو الحد منه تحت ثقل 200 الى 300 قنبلة نووية تمتلكها اسرائيل وفقا للتقديرات الغريبة، علما وأننا قد أخرجنا من هذا الحساب النووي سلاح اسرائيل الجرثومي والكيميائي.
ففي سنة 1993 نشر في موسكو ثم تداوله اعضاء الكونغرس الأمريكي، تقرير الاستخبارات الروسيةفي هذا الخصوص بعنوان (انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرط الأوسط، بعد نهاية الحرب الباردة) يؤكد ما يلي:
أولا ان اسرائيل تملك السلاح النووي ووسائل تصنيعه بالاضافة الى الصواريخ الحاملة له. ويذكر التقرير بعد سرد الوقائع والمعطيات، أن القاعدة الصناعية الضخمة في اسرائيل أتاحت لها صنع 20 قنبلة نووية جاهزة للاستعمال في الفترة ما بين العامين 1975 1980 لتمتلك الآن ما بين 200 الى 300 قنبلة نووية.
ثانيا ان اسرائيل وبمساعدة أمريكا وعديد الدول الغربية تمتلك مخزونا ضخما من السلاح الكيميائي والجرثومي،
ثالثا : ان اسرائيل تمتلك أكبر ترسانة صاروخية في المنطقة، كما حققت طفرة نوعية متقدمة ومتطوّرة في صناعة الصواريخ البالستية العابرة للقارات، وقد تمكنت أخيرا من غزو الفضاء لأغراض عسكرية. وكما نرى، نحن العرب تحت رحمة وحش نووي كيميائي سبق أن أنشب اظافره القذرة تلك في مناسبتين، الأولى في حرب رمضان سنة ، والثانية في حرب الخليج الثانية، وحسب اعتراف الجاسوس الاسرائيلي جوناتان بولارد الذي اعتقل في أمريكا لنقله أسرارا عسكرية الى اسرائيل لمدة أربع سنوات، فإن رئيسة الوزراء الاسرائيلية السابقة المسماة غولدا مائير أمرت باعلان حالة التأهب النووي سنة 1973، لكن أمريكا سارعت لمساعدتها وانقاذها من هزيمة كانت محققة ومفاجئة على الجبهتين المصرية والسورية. والأمر نفسه حدث في أثناء حرب الخليج الثانية عندما دكت الصواريخ العراقية العابرة أسوار تل أبيب لكن الأمريكيين جاؤوا بأنفسهم هذه المرة الى اسرائيل مع صواريخ الباتريوت المضادة للصواريخ وذلك لانقاذ دولة اسرائيل المدللة من الخسارة.
وفي كلا الحالتين كاد الاله (يهود) الذي عاهد شعبه المختار بجعل جميع الأمم والشعوب الأخرى خدما وعبيدا له أن يرتكب حماقة رهيبة ومدمرة، غير أن الأمريكيين الذين لهم مصالحهم وحساباتهم المستقبلية في المنطقة حالوا دون ذلك، ولكن الى متى؟؟
وفي احدى القمم العربية (وما أكثرها) التي أقيمت للبحث في مسألة نشر سلام دائم في الشرق الأوسط والمنطقة العربية عموما ووقعت عليها كل الأطراف العربية الا اسرائيل، جاء على لسان الكاتب والصحفي العربي الكبير محمد حسنين هيكل ما يلي: «لا يمكن لمنطقة الشرق الأوسط ان تدخل عالم السلام الدائم وهناك طرف (يعني اسرائيل) لديه 200 قنبلة نووية، وكمية لا يحصيها عدد من الأسلحة الجرثومية والبيولوجية، وأطراف أخرى ممنوع عليها حتى مجرد التفكير في امتلاك هذا السلاح الرادع. بل هو ممنوع عليها امتلاك السلاح البيولوجي وهو سلاح الفقراء. وفي هذه الحالة تبقى اسرائيل المدعومة أمريكيا وحدها طليقة اليدين. والسلام الذي يدعو له الغرب بصفة عامة لن يكون شيئا آخر غير السلام الاسرائيلي، الذي يقوم على الاذعان لقوة الردع النووي بعد أن سقط مبدأ قوة الردع التقليدي أولا في حرب رمضان سنة 1973، ثم في حرب لبنان سنة 1982».
لكن، ماذا بوسع المجتمع الدولي أن يفعل لتلافي انزلاق المنطقة ولو ببطء شديد في هاوية الاستقطاب النووي؟ الجواب يبدأ من (ديمونا) في صحراء النقب أولا، ثم من (بوشهر) وغيرها من المواقع العلنية والسرية المنتجة للسلاح النووي أو تلك التي تحاول صنعه. وما لم تتخذ الأطراف المعنية وفي أقرب الآجال اجراءات ردعية ملزمة لجميع الدول المتواجدة في المنطقة بالكف عن انتاج السلاح النووي وكذا السلاح الجرثومي والبيولوجي وتدمير مخزونها من الأسلحة غير التقليدية والجنوح الى سلام حقيقي ودائم في المنطقة العربية والعالم، وعودة كل جيوش الاحتلال الى بلدانها الأصلية والكف عن تخريب المنطقة والتلاعب بمشاعر شعوبها. وإذا لم يتحقق هذا الأمر وهو الحد الأدنى، فإن منطقة الشرق الأوسط وبعض دول العالم سوف تبرز فيها احداث خطيرة ومفاجئة حتى بالنسبة لأكثر المراقبين والخبراء تضلعا بالأحداث، لأن السلام الصهيوني المشفوع بالانياب النووية والمدعوم غربيا وأمريكيا على الاخض مرفوض رفضا قاطعا، وسيظل عامل اضطراب في المنطقة العربية يمكن أن يتحول في أي لحظة الى محرقة للعالم كله بوجود هذا الجنون والجشع والطمع في السياسة الأمريكية الاسرائيلية.
رضا قاسم المثناني
(الحمامات تونس)
المصادر والمراجع :
1) المستقبل العربي عدد 8/1998
2) مجلة الدراسات الفلسطينية عدد 54/1992


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.