كانت علامات الإرهاق والتعب بادية علي وجهه وعندما اقتربنا منه كان غارقا في النوم الذي اتاد عليه قبل موعد الافطار وسط ضجيج السيارات وأصوات المارة التي لا يتأثر بها، لكنه استيقظ فزعا بمجرد أن لمسنا كتفه ونحن نربت عليه بلطف. وبعد أن أفاق سألناه عن سبب نمه هكذا ونحن في نهار رمضان. وبدأ السيد محمد س يروي قصته مع النوم الرمضاني قائلا : «أنا عامل في أحد المصانع ولأنني أعول أسرة وفيرة العدد أضطرّ الي العمل ليلا نهارا لتوفير دخل إضافي، وغالبا ما أستغل الساعات الثلاث التي تسبق الإفطار للنوم قليلا ثم أعود الى المنزل قبل دقائق من موعد الافطار ريثما يأتي المساء وألتحق بعملي الليلي الذي بدأ يرهقني ويضطرني الى النوم في الحدائق والأماكن العمومية. النوم سيد الموقف وبجوار احدى الحدائق العامة كان شاب في الثلاثينات من عمره يتأرجح بين النوم واليقظة. سألناه بكل هدوء عن سرّ استنجاده بهذه الحديقة في قلب العاصمة لأخذ نصيب من النوم قبل الافطار فأجاب دون تردد : «بعد العودة من عملي أخرج للتجوال في المدينة، وبما أنني لا أذهب للتسوق أو لقضاء شؤون العائلة ولا أتحمل أية مسؤولية أسرية أجدني مدفوعا الى هذه الحديقة الجميلة التي لا تبعد كثيرا عن مقر سكناي. أختلي بنفسي وأنام قليلا ثم أسيتقظ دون الحاجة لأنيس أو رفيق يقلقني بكثرة حديثه علما وأنني ممّن يحبّذ العزلة ويكره الاختلاط بالآخرين إلا لضرورات العمل أو المصلحة المتبادلة». وغير بعيد عن الحديقة المذكورة كان أحدهم يغطّ في نوم عميق. لم نشأ إيقاظه فربما غضب منا ودفعته حشيشة رمضان» الى الدخول في خصومة معنا، قلت لزميلي المصور لنعد الى الشاب الذي تحدثنا إليه قبل لحظات علّه يشفي غليلنا ويكشف لنا حكاية هذا الكهل مع النوم في نهار رمضان. كان حدسنا في موضعه فقد أخبرنا الشاب أن الكهل متعود على الاسترخاء فوق احدى الكراسي بالحديقة بعد قراءة صفحات من جريدته المفضلة ثم يغط في نوم عميق، وأضاف محدثنا قائلا : «هذا الرجل لايتحمل ضجيج أبنائه في المنزل ولا يرغب في «تدمير» أعصاب زوجته بكثيرة ملاحظاته على الطبخ الرمضاني، لذلك يحبذ البقاء بالحديقة لفترة معينة ثم يعود الى المنزل قبل لحظات معدودة من الإفطار. حكاية معبرة هذه العينة تخصّ النائمين في الأماكن العامة، لكن ما خفي كان أعظم، ففي أكثر من مؤسسة عمومية مجموعات من الموظفين الذين يضعون النوم ضمن أولوياتهم القصوى وأحيانا قبل قضاء مصالح المواطنين الآجل منها والعاجل. ويروى أن موظفا بشركة خاصة أغلق على نفسه باب مكتبه واستسلم للنوم ليستيقظ بعد الإفطار وكانت المفاجأة أن الحارس أحكم إغلاق الباب من الخارج ولولا الهاتف الجوال الذي كان همزة وصل بينه وبين العالم الخارجي لبقي حبيس المكتب إلى الصباح. لكن ما هي الأسباب الفيسيولوجية لتهافت الكثيرين على النوم خلال شهر الصيام تحديدا ؟ ولماذا يعجز هؤلاء على مقاومة النعاس بدعوى الإرهاق والوهن أثناء الصوم؟ يجيب الدكتور عبد الرزاق يحيى على السؤالين معا مؤكدا في البداية أن الشخص كثير النوم سواء في رمضان أو غيره من أشهر العام انسان غير منظم في حياته بشكل عام، فبعد الأكل الدسم يهرع هذا الشخص الى المنبهات بأنواعها (دخان قهوة شاي) ثم يطول به السهر في ليالي رمضان فيجد نفسه أسير قلة النوم نهارا، ويشتدّ التعب بهذا الصائم في النصف الثاني من اليوم فيشعر بالوهن والإرهاق ولا يكون أمامه من حل سوى النوم في أي مكان (حديقة محطة مكتب منزل). ومن أجل تجاوز هذه الوضعية يدعو الدكتور عبد الرزاق يحيى الصائمين الى اتباع نظام محكم في حياتهم، وذلك بالتقليل من كميات الأكل عند الإفطار، والابتعاد كليا أو على الأقل بنسبة كبيرة عن المنبهات. كما يطالب الدكتور هؤلاء بالنوم في وقت معقول لنقل العاشرة ليلا. وهكذا يمكنه قضاء فترة الصوم في هدوء بعيداعن النعاس والنوم.