ما من مهمة أصعب وأجل من الوقوف على كلام الله ومقاصده في القرآن العظيم، وما من عمل يستثير الرهبة والخوف كالسير في طريق الشرح والتفسير لكلام المولى القدير، فهي طريق محفوفة ومسكونة بالمخاطر. والخطر على العقيدة الصحيحة، للكاتب والقارئ خطر من عظائم الامور التي تهون الى جانبها المصائب والمعايب. وسوأ ما يمكن او يواجهه حيل بعض المفسدين ممن يظهرون الايمان ويضمرون الكفر والعصيان، كأن يقال أن القرآن نتاج ثقافي، او أنه كالمسيح عليه السلام له صفة بشرية مع كونه كلمة اله وروح منه، أو أنه قد خاطب عصرا غير عصرنا وزمنا غير زماننا، وأن من حق المؤمن أن يعطل بعض الحقائق والأحكام من منطلق تغير الزمان والمكان الى غير ذلك من المهلكات التي يخوض فيها بعض من شياطين الانس دون ادنى حياء او ادب مع رب العالمين. ومن اعجاز القرآن الكريم اخباره بأنه سيكون رحمة وهدى وشفاء وخلاصا لنفر من الناس هم المؤمنون، وضلالا وخسرانا وعمى لنفر آخر هم الضالون المضلون. فالحق سبحانه وتعالى يقول في سورة الاسراء: «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا» (الاسراء 82). فالقرآن نفسه علة الهداية عند المؤمنين وعلة الزيغ والضلال والخسران عند الظالمين، بافتراءاتهم في تفسيره وتأويله وفي تعطيل بعضه ونسخ العمل ببعضه الاخر. ويقول الحق سبحانه وتعالى: «قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في أذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد» (فصّلت 44). فالأصل في الاقبال على القرآن تلاوة او تعلما او تفكرا، التأدب مع رب السموات والارض، والتواضع لله ولرسوله، والتقدير لفهم الصحب والأتباع وغسل الادمغة من متعلقات الضلال وجنوح الجهّال، بل ان المؤمن الحقيقي عندما يستمع لعبارة (قال الله تعالى) قبل سرد آيات القرآن ليشعر بالرهبة والهيبة وبالخوف والرجفة وبالحب والخشية. فالقائل هو رب السموات والارض، وهو الاقرب من حبل الوريد، وهو من يمن علينا بأنه حدثنا من عليائه، وهدانا مع كبريائه، ونصحنا مع استغنائه عنا، وهو سيكافئنا برحمة منه وفضل لا بقول او عمل منا.