محمد الصالح المهيدي من الكتاب الذين جايلوا الشابي والطاهر الحداد وجماعة «تحت السّور» وكان في زمنه من أغزر أبناء جيله عطاء وتنوّعا في الاهتمامات التي جمعت بين الأدب والتاريخ والمسرح لكنه مع كل ما قدمه للثقافة التونسية ظلّ مجهولا ونسيا منسيا لا يرد ذكره إلا لمما وعلى الهامش! الباحث محمد المي صدر له هذه الأيام كتاب جديد عن محمد الصالح الميدي حياته ومختارات من كتاباته عن المركز الوطني للإتصال الثقافي ضمن سلسلة «ذاكرة وإبداع». المي الذي كتب في السابق عن الطاهر الحداد ومنور صمادح والطيب الميلادي وأبو القاسم كرو وجمع في كتابه الذي يصل الى 234 صفحة مقالات ودراسات نادرة لمحمد الصالح المهيدي الذي يعدّ أحد العصاميين الذين أغنوا المكتبة التونسية ولم يأخذ شيئا لا في حياته ولا بعد وفاته بل ان عائلته اضطرّت إلى بيع مكتبته الى معهد الصحافة وعلوم الأخبار حتى تواجه مصاريف الحياة ومتطلباتها كما اضطرّ في حياته الى تغيير تاريخ ولادته لاعتبارات وظيفية.. ولد المهيدي في نفطة سنة 1902 وتوفي بتونس العاصمة سنة 1969 وشيّع في جنازة مهيبة يوم عيد الاضحى. وفي رحلة الحياة التي امتدّت سبعة وستّين عاما نشر المهيدي : تاريخ الصحافة العربية وتطورها بالبلاد التونسية وتاريخ الطباعة والنشر بتونس لكنه ترك مئات المقالات في الصحف والمجلات التونسية الى جانب مخطوطات منها كما يذكر الباحث محمد المي : العواصم الأميرية وتاريخ الصحافة في تونس والمنشآت العسكرية بالحضرة التونسية. وكان لمحمد الصالح المهيدي نشاط صحفي غزير وكذلك نشاط جمعياتي ومسرحي في جمعية أنصار المسرح التي تولّى رئاستها طيلة سنوات وخاصة في هذه المرحلة عدّة معارك مع عبد العزيز العروي خاصة الذي اضطرّ الى أن يشكوه لرئيس اللجنة الثقافية بتونس بتاريخ 1 12 1964 وأورد محمد المي نص هذه الرسالة. في هذا الكتاب الذي يعدّ أول وثيقة ضافية تصدر عن هذا العلم المجهول الذي عانى من النسيان والجحود نقرأ دراسات عن مواضيع مجهولة وغير متداولة مثل دراسة عن أعلام الجريد والحواضر الأميرية بشمال افريقية وقلعة بني حمّاد التي كتب فيها ابن خلدون مقدّمته وتاريخه ومعالم القيروان والمهدية وبجاية وفاس وكتب عن الحياة العقلية بقفصة كما كتب عن تاريخ الصحافة التونسية في القرن التاسع عشر. وقدر اهتمامه بالتاريخ والمعالم اهتمّ بالاعلام محاولا إنصافهم في وسط ثقافي قائم على الجحود والنكران فكان منذ أوائل الذين انحازوا للطاهر الحداد ودافعوا عنه وهذا الكتاب تضمّن فصلا عن الطاهر الحداد وكتب عن علم مجهول هو علي بن كاملة الذي أسّس أول مسرح خاص في شارع لندرة وتحمّل الأذى من التونسيين والمستعمر كما كتب عن علم آخر مجهول هو علي الودرني.. وكتب عن زين العابدين السنوسي وكرباكة وتأسيس المكتبة الوطنية ومصنع المدافع بالحفصية وعلي الدوعاجي.. إن هذا الكتاب الذي جمّعه وقدّم له وأشرف على إعداده الباحث محمد المي مبادرة فيها الكثير من النبل لإنصاف كاتب تونسي عانى الكثير من الحضور والنسيان إذ لم يكن المهيدي يذكر إلا في سياق حديث عام عن الشابي ومجايليه. كتاب محمد الصالح المهيدي : حياته ومختارات من كتاباته يضيء مرحلة مهمة في تاريخ الثقافة التونسية وهو يؤكد جدّية هذه السلسلة التي تصدرها وزارة الثقافة والشباب والترفيه في إعادة الاعتبار للمنسيين في تاريخ تونس.