الدروس الخصوصية ظاهرة آخذة في الانتشار والتوسع مما جعل البعض يعتقد أنها جزء مهم من المنظومة الدراسية بل هي ضرورية لنجاح التلميذ وارتقائه في السلم الدراسي وهذا المفهوم جعل الأولياء يرضخون لهذه الوسيلة الجديدة في التعليم رغم اعترافهم أنها مكلفة ومرهقة ماديا. فهل تقف رغبة الولي في نجاح أبنائه وراء هذا الدعم اللامتناهي لتنامي ظاهرة الدروس الخصوصية؟ أم أن الأمر يتجاوز إرادتهم؟ يقر سالم (أب لثلاثة أطفال بالمرحلة الأساسية) أنه لم يتساءل إن كانت الدروس الخصوصية ضرورية لنجاح أبنائه ولكن كل ما في الأمر أنه يسعى لتلبية رغبة أطفاله حتى لا يجدوا حجّة لتهاونهم في الدراسة وعدم نجاحهم ويضيف قائلا «أنا أخذت الموضوع على أنه أمر مسلّم به دون بحث أو تنقيب عن الأسباب». **النجاح هدفنا من الحقائق الظاهرة للعيان في مجتمعنا التونسي هو إيلاء جميع أفراده النجاح الدراسي والدراسة بصفة عامة مكانة هامة ضمن قائمة أولوياتهم وأكثر من ذلك سعي كل فرد أن يكون أبناؤه من الأوائل المتفوقين ولتحقيق هذا الهدف يلتجىء الأولياء إلى الدروس الخصوصية. ولطفي واحد من الأولياء الذين يرون أن الدروس الخصوصية وسيلة نافعة ليتدارك التلميذ النقص المعرفي الذي يواجهه خاصة إذا كانت إمكانياته الذهنية متوسطة ويدرس بقسم يضم 40 تلميذا ولهذه الأسباب يضطرّ لطفي لتحميل ميزانيته العائلية نفقات إضافية هي ثمن وتكلفة الدروس الخصوصية حرصا منه على نجاح أبنائه في الدراسة. مريم ترى أيضا أن الدروس الخصوصية شرّ لا بدّ منه في زمن باتت فيه الدراسة داخل القسم غير كافية نظرا لتراكم المواد وكثرتها إلى جانب ارتفاع عدد التلاميذ بالقسم الواحد وتشتت ذهن التلميذ الذي أصبح يهتم بأشياء جانبية لا تخص الدراسة وفي هذه الحالة يجد الولي نفسه مجبرا على جعل ابنه يتابع دروسا خصوصية رغم غلائها حتى يتجنب إحساسه بالندم في حال عدم نجاح ابنه. **ضغوطات يؤكد عدد هام من الأولياء بعدم جدوى الدروس الخصوصية وتأثيرها السلبي على مستوى التلميذ نظرا للتحول الخطير الذي شهدته الدروس الخصوصية. ويرى بعض الأولياء أنه على الرغم من اقتناعهم أن هذه الدروس لا تضيف شيئا للرصيد المعرفي للتلميذ إلا أنهم مضطرون لتمكين أبنائهم من متابعتها خوفا على نفسياتهم من التأزم ناهيك وأن بعض المعلمين يتوخّون أساليب الترهيب كإعلامهم أن من لا يتابع ا لدروس الخصوصية سوف لن يتحصل على معدل جيد بل ربما لن يستطيع اجتياز الإمتحانات بنجاح وهكذا تنتاب التلميذ حالة من الخوف والفزع وبالتالي يطالب والديه بتمكينه من متابعة الدروس الخصوصية بإلحاح شديد. السيد عابد المزي تحدث بلهجة تنم عن عدم الرضاء موضّحا أن تعوّد التلميذ بالدروس الخصوصية سيجعله يتهاون في تحصيله الدراسي خاصة إذا كانت هناك بعض التجاوزات من قبيل إنجاز الامتحان أثناء الساعات الإضافية الخاصة وإعادته في القسم داخل المدرسة مما يجعل مستوى التلميذ في خطر. كما أن ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية تنهك جيب الولي الذي يضطرّ للتداين لغرض توفير المبلغ الكافي لهذه الدروس. ويخلص السيد عابد إلى القول إن معظم الأولياء واقعين تحت ضغط مادي كبير نتيجة إصرار أبنائهم على متابعة هذه النوعية من الدروس التي وجب النظر إلى سلبياتها قبل الافتخار ببعض النتائج الإيجابية التي تتحقق منها وقتيا. **تقليد صنف ثالث من الأولياء يأخذ مسألة متابعة الدروس الخصوصية على أنها عناد وتقليد وأحيانا من باب التباهي وبعض هؤلاء يتباهون فيما بينهم بارتفاع ساعات الدروس الخصوصية التي يتلقاها أبناؤهم ويبررون ذلك بعدم وجود وقت كاف لمتابعة دراسة أطفالهم. السيد نور الدين الرياحي يرى أن الدروس الخصوصية يمكن أن تكون حلا بالنسبة للأولياء الذين لديهم أشغال كثيرة وعاجزون عن مراقبة أبناؤهم ومساعدتهم في الدراسة لكنها حتما ليست حلا ناجعا ويشير السيد نور الدين إلى هذا الهوس الكبير من قبل التونسيين بالدروس الخصوصية معتبرا إياها ظاهرة خطيرة يمكن أن تنعكس سلبا على المستوى المعرفي للتلميذ خاصة إذا كانت هذه الدروس هي عبارة عن إنجاز تمارين منزلية من قبل المعلم وليست مساعدة التلميذ على الفهم والاستيعاب أما السيدة سلوى (موظفة) فترى أن جلّ العائلات التونسية تمكن أبناءها من متابعة الدروس الخصوصية تقليدا وليس اقتناعا منها بجدوى ا لخدمات المسداة للتلميذ في هذا الإطار.