زلزال «تسونامي» الذي ضرب جزءا من القارة الآسيوية وخلّف ما لا يقل عن 150 ألف قتيل وملايين المشردين وخسائر بمليارات الدولارات، هذا الزلزال خلق أيضا موجة من التعاطف الدولي مع الشعوب المنكوبة.. وهذه ردّة فعل مشكورة ومحمودة وتؤكد بلا شك أن الانسان لم يفقد انسانيته بالكامل وان كانت حسابات الربح والخسارة ولغة المصالح قد أكلت من آدميته الشيء الكثير. ومع تعاطفنا مع الشعوب المنكوبة ومع يقيننا بأن كل البشر سواسية وبأن كل فقيد أو مفقود هو انسان غال على أهله وعلى بلده، فإننا نتساءل عن سبب تحرك المجتمع الدولي لمواجهة «تسونامي» عندما تكون بفعل عوامل طبيعية كالزلازل والأعاصير المدمّرة.. وعن سبب صمت المجتمع الدولي وقعوده عن مواجهة آثار «تسونامي» عندما تكون بفعل أياد بشرية وان كان مفعولها التدميري أقوى وان استمرت في الزمان لسنوات وعقود وليس مجرد لحظات عابرة. ذلك أنه وبمقياس «تسونامي» البشرية اي الزلازل والأعاصير التي يسببها الانسان لأخيه الانسان فإن الشعب العراقي قدم على مدى الخمس عشرة سنة الاخيرة من تاريخه ضحايا يفوق عددهم عشرة أضعاف ما أكله زلزال «تسونامي» من شعوب شرق آسيا.. ومع ذلك فإن المجتمع الدولي يلوذ بصمت غريب ومريب ويكتفي بالفرجة على العراق وهو يتلظى وعلى الشعب العراقي وهو يقدم مئات الآلاف من أبنائه ارواء لضمإ آلهة الزلازل البشرية التي التهمت مئات الآلاف من العراقيين ولا تزال تطلب المزيد. وقد بات ثابتا وموثقا الآن أن الحصار الشامل والظالم الذي فرض على العراق منذ بداية التسعينات والى غاية طوفان الغزو والاحتلال قد أدى الى هلاك ما لا يقل عن مليون ونصف المليون عراقي جلهم من الأطفال ومن الشيوخ هذا عدا الأضرار الجانبية والتي سيظل الشعب العراقي يعانيها لمئات السنين كما أكد ذلك الخبراء بفعل مخلفات الاشعاعات النووية مثلا.. وهذا يعادل في لغة الارقام عشرة أضعاف ضحايا زلزال «تسونامي» حتى الآن.. هذا علاوة على ضحايا العدوان الاخير والذين قدرت مجلة أمريكية عددهم بأكثر من مائة ألف عراقي ولا يزال النزيف مستمرا. ومع هول الكارثة التي تحل بالعراق سواء بسبب الحصار او العدوان العسكري الاول ثم الثاني الذي أفضى الى احتلال العراق وتدمير دولة وبلد واغتصاب ذاكرة وطنية وحضارة عريقة وتاريخ مضيء ومع تواصل الزلزال البشري وتتالي «هزاته الارتدادية» على مدار اليوم وما تخلّفه من مآس ودمار للعراق وللعراقيين، فإن المجتمع الدولي لايكاد يحرّك ساكنا لمواجهة أسباب هذا الزلزال البشري ومخلفاته وتداعياته... فهل يطلب من الشعب العراقي تبويب ما يحل به من زلازل وأعاصير بسبب الاحتلال الى خانة الزلازل والكوارث الطبيعية من قبيل «تسونامي» الذي ضرب القارة الآسيوية حتى يحظى ببعض من التضامن العالمي الذي حظيت به هذه الشعوب؟ أم ترى العالم ينتظر أن يبتلع «تسونامي الآدمي» الشعب العراقي بالكامل ليتحرك ويعمل على انهاء هذا الحريق الذي يلتهم العراق ولا يشبع منذ قرابة 15 عاما؟