قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في تقييم جديد لها يوم الجمعة أن مسؤولي الانتخابات العراقية لم يكونوا قادرين على العمل، إما بحرية أو إطلاقا، في أجزاء يعيش فيها ثلث سكان البلاد وأن لجنة الانتخابات المستقلة كانت قادرة على العمل فقط في بعض مناطق غرب بغداد. وقد جاء هذا التقييم في وقت تتكهن فيه مصادر دبلوماسية وخبراء بأن الحكومة العراقية التي ستسفر عنها الانتخابات العراقية المزمع إجراؤها في الثلاثين من الشهر الجاري ستضم عددا من الوجوه المألوفة باستثناء واحد هو رئيس الحكومة المؤقتة إياد علاوي الذي قد تتجاوزه الانتخابات أو تهمله. وقد عزز تقييم البنتاغون مخاوف بين المسؤولين العراقيين والأمريكيين بأن قلة من العرب العراقيين السنة سيكونون قادرين على التصويت مما سيقوض شرعية الانتخابات. فيما ذكر كبير القادة العسكريين الأمريكيين الميدانيين في العراق الجنرال توماس ميتز أن عدد هجمات المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأمريكي وقوات الحكومة المؤقتة تصل إلى 70 هجوما يوميا. وتضم الجمعية الوطنية العراقية التي سيجري انتخابها 275 عضوا من قائمة واحدة تضم أكثر من 200 هيئة انتخابية مرشحة تشتمل على أفراد مستقلين أو أحزاب سياسية أو ائتلافات تعرف بالقوائم. وسيسمح لكل ناخب أن يختار من ورقة الاقتراع هيئة واحدة سواء كانت فردا أو قائمة. وعندما تعد الأصوات فإن القوائم ستحصل على تمثيل نسبي في الجمعية الوطنية استنادا إلى عدد الأصوات التي يتلقاها كل منها. وستقوم الجمعية الوطنية المنتخبة بدورها بانتخاب حكومة تنفيذية انتقالية وتضع مسودة دستور للعراق. وسيتم بأكثرية ثلثي الأعضاء انتخاب كل عضو في المجلس التنفيذي العراقي الذي يضم الرئيس ونائبيه. ويجب على المجلس بعد ذلك أن يختار بالإجماع مرشحا لمنصب رئيس الوزراء الذي سيتم إقراره بالأكثرية البسيطة في الجمعية. وإلى جانب زعماء البلاد فإن أعضاء الجمعية الوطنية سينتخبون أيضا رئيسها ونائبين له. وفي النهاية سيكون هناك «هيئة السلامة العامة» التي عينتها سلطة الاحتلال الأمريكي المؤقتة السابقة لمدة خمس سنوات ولها سلطة الإشراف على المجلس التنفيذي ورئيس الوزراء. خمس جماعات وعزت مصادر سياسية النص على أكثرية الثلثين في القانون الإداري المؤقت الذي كتبته سلطة الاحتلال المؤقتة التي حلت في جوان من العام الماضي إلى وجوب التوصل إلى حلول وسطى وتحالفات تحد من قوة ما يقال أنه الأكثرية الشيعية في العراق. ومن بين الجماعات التي تبرز كلاعبين محتملين في مجال السلطة في العراق خمس جماعات تقوم بأخطر المناورات السياسية أبرزها الإئتلاف العراقي الموحد الذي يضم حركات سياسية شيعية مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ومنظمة بدر التابعة له، وحزب الدعوة والمؤتمر الوطني العراقي. ويضم هذا التحالف شخصيات معروفة مثل عبد العزيز الحكيم وأحمد الجلبي وإبراهيم الجعفري وحسين شهرستاني. ويتمتع الإئتلاف العراقي الموحد بدعم المرجع الديني الشيعي السيد علي سيستاني. وهناك التحالف الكردي الموحد من الحزبين الكرديين الرئيسيين: الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني والحزب الديمقراطي بزعامة مسعود برزاني. وهناك حزب كردي ثالث خارج القائمة هو الاتحاد الإسلامي. أما إياد علاوي فقد شكل تحالفه الخاص باسم «القائمة العراقية» يقول أنها تضم شخصيات قبلية بارزة. فيما يترأس الرئيس المؤقت غازي عجيل الياور قائمة «عراقيون» التي يقول أنها ستكون ممثلة لكل العراق، يشاركه في القائمة وزير الدفاع المؤقت حازم الشعلان، ووزير الصناعة والمعادن حاجم الحسني من الحزب الإسلامي سابقا. وقد أعلن الحزب الإسلامي رفضه المشاركة في الانتخابات أسوة بهيئة علماء المسلمين التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات ما لم تحدد الولاياتالمتحدة جدولا زمنيا ملزما بسحب قوات احتلالها من العراق. ورغم ما يقال بان الشيعة يشكلون الأكثرية في العراق إلا ان محللين وخبراء يؤكدون أنه لا يوجد فرصة للإئتلاف العراقي الموحد بالحصول على أكثرية الثلثين في الجمعية الوطنية وهو ما يحتاج إليه لانتخاب مجلس تنفيذي دون عقبات. لذلك يسعى الإئتلاف العراقي الموحد إلى الحصول على دعم أحزاب التحالف الكردي التي أرسلت بدورها وفودا إلى طهران للاجتماع مع مؤيدي الإئتلاف العراقي الموحد داخل الحكومة الإيرانية. ومن بين الوجوه السياسية العراقية المألوفة التي تعتقد مصادر مطلعة أنها ستبرز داخل المجلس التنفيذي للحكومة الجديدة الياور والحكيم والجعفري والشهرستاني والجلبي وطالباني وبرزاني، وهي سبعة أسماء لسبعة مناصب. وهناك فرصة لشخصيات من خارج القائمة لتدخل في هذا الخليط من الحزب الإسلامي إلى جانب مقتدى الصدر أو أحد مساعديه، غير أن هذا احتمال يصعب التنبؤ به. ويبدو بشكل ساطع غياب علاوي نفسه من تلك القائمة التي ستكون مخصصة للسلطة التنفيذية. وقد أثبت علاوي إخلاصه للحكومة الأمريكية وقدرته على العمل معها. خياران فقط وقد تسبب تصاعد المقاومة في العراق وعدم قدرة قوات الاحتلال الأمريكي على فرض الاستقرار بالولاياتالمتحدة إلى مواجهة خيارين اثنين يعتقد مسؤولون أمريكيون أنه ما من أحد منهما نموذجي. فالخيار الأول يدعو إلى السماح للتحالف العراقي الموحد الذي يقوده سيستاني بالفوز في الانتخابات على حساب خسارة مدافع عن الولاياتالمتحدة في شخص علاوي. وقد استثمرت سلطة الاحتلال الأمريكي علاقات عملية مع سيستاني أظهر فيها بعض الرغبة على الأقل في التوصل إلى حلول وسطى، وهذه العلاقة ليست على نفس مستوى العلاقة مع علاوي الموثوق به أمريكيا. وكانت صحيفة نيويورك تايمز نقلت يوم الثلاثاء عن مسؤولين في واشنطن وفي العراق أن اتصال علاوي مع الرئيس بوش مؤشر على قلقه بشأن نجاحه وحزبه في الانتخابات إذا بقيت في موعدها. والخيار الثاني، هو تأجيل الانتخابات أو تغيير عملية الانتخابات لإلغاء السلطة عن طائفة الشيعة خاصة وأن هناك خمس محافظات عراقية رئيسية خارج اية سيطرة لقوات الاحتلال والحكومة المؤقتة المرتبطة بها. ويرى محللون أن هذا خيار محفوف بالمخاطر بسبب حجم راس المال السياسي الذي ستخسره واشنطن في هذه الحالة. وعلاوة على ذلك فإن ممارسة هذا الخيار قد يرغم الشيعة الغاضبين الذين يعتقدون أن الحكم قد أصبح قاب قوسين في يدهم، على حمل السلاح مما قد يزيد من الثورة المشتعلة بالفعل اشتعالا أو في حالة إقرار ذلك من سيستاني سيتحول الوضع إلى مقاومة شيعية عامة. وكانت أحزاب الإئتلاف العراقي الموحد قد أصدرت بيانا رفضت فيه بشكل قاطع تأجيل الانتخابات وهددت بأن المرجعية الشيعية قد تفتي بحرمة التعامل مع حكومة علاوي لو قامت بتأجيل الانتخابات، كما أن المفوضية العليا للانتخابات التي شكلتها الأممالمتحدة قد استبعدت التأجيل، وقال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة أشرف قاضي في عمان إن قلة المشاركة الجماهيرية في المناطق السنية التي تعصف بها أعمال العنف لن تثير شكوكا بشأن شرعية الانتخابات. ولكن رئيس الحزب الإسلامي محسن عبد الحميد قال إن المفوضية ليست سوى لجنة تكتيكية بحتة ليس لها صلاحيات تقديم أو تأجيل الانتخابات وأن الأمر بيد مجلس الأمن، في حين يقول المسؤولون الأمريكيون أن الوضع الأمني لا يعرقل إجراء الانتخابات في الموعد المحدد وهو الرأي الذي أيده الرئيس الإيراني محمد خاتمي. كما أن الدول العربية الحليفة لواشنطن وتحت ضغط من الولاياتالمتحدة تراجعت عن المطالبة بتأجيل الانتخابات وستحاول ممارسة ضغوط على سنة العراق لإقناعهم بالمشاركة في الانتخابات. وقال مسؤول أمريكي أن حكومة بوش تبحث سبلا لإعطاء العرب العراقيين السنة صوتا أكبر في صياغة الدستور الجديد بغض النظر عن نتائج الانتخابات. واضاف أنه سيكون أمرا مشروعا تنصيب ممثلين إضافيين من السنة في لجنة العراق الدستورية الجديدة. وأعلن مسؤول كبير في البنتاغون بأن قائد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق الجنرال جورج كاسي والسفير الأمريكي في بغداد جون نغروبونتي يقومان بوضع خطة أمنية للانتخابات يمكن أن تشمل نقل بعض القوات الأمريكية. وقد ساهم تعهد زعامة الأحزاب الشيعية بالسماح للقوات الأمريكية بالبقاء في العراق بعد الانتخابات في زيادة تصميم الحكومة الأمريكية على ممارسة الخيار الأول، على الرغم من أنها ستضغط دون شك بصورة قوية من أجل موافقة سيستاني على دور ما لعلاوي في الحكومة الجديدة. ويقول مراقبون أنه سواء بوجود علاوي أو عدم وجوده في الفسيفساء العراقي الجديد فإن فوز التحالف العراقي الموحد سيعطي واشنطن وقتا لتقييم خطوتها التالية في لعبة الشطرنج السياسية العراقية.