جندوبة: الحكم بالسجن وخطيّة ماليّة ضدّ ممثّل قانوني لجمعيّة تنمويّة    الحكم الشرعي لشراء أضحية العيد بالتداين..!    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقّعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه    مدنين: حجز 50 طنا من المواد الغذائية المدعّمة    صندوق النقد الدولي يدعو سلطات هذه البلاد الى تسريع الاصلاحات المالية    الرابطة الأولى: جولة القطع مع الرتابة في مواجهات مرحلة التتويج    قرعة كأس تونس 2024.    مفزع/ حوادث: 15 قتيل و500 جريح خلال يوم فقط..!!    الكاف..سيارة تنهي حياة كهل..    مدنين: القبض على مُتحيّل ينشط عبر''الفايسبوك''    المدير العام لبيداغوجيا التربية:الوزارة قامت بتكوين لجان لتقييم النتائج المدرسية بداية من السنة الدراسية القادمة.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    بدرة قعلول : مخيمات ''مهاجرين غير شرعيين''تحولت الى كوارث بيئية    عمال المناولة بمطار تونس قرطاج يحتجون    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    عاجل/ يرأسها تيك توكور مشهور: الاطاحة بعصابة تستدرج الأطفال عبر "التيكتوك" وتغتصبهم..    البحيرة: إخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين من المهاجرين الأفارقة    حفاظا على توازناته : بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يرفع رأس ماله الى 69 مليون دينار    أبل.. الأذواق والذكاء الاصطناعي يهددان العملاق الأميركي    خليل الجندوبي يتوّج بجائزة أفضل رياضي عربي    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    البطولة الوطنية : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الثانية إياب من مرحلة تفادي النزول    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    معهد الصحافة يقرر ايقاف التعاون نهائيا مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بسبب دعمها للكيان الصهيوني    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    وسط أجواء مشحونة: نقابة الصحفيين تقدم تقريرها السنوي حول الحريات الصحفية    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    الرابطة المحترفة الاولى : تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    بنزيما يغادر إلى مدريد    غرفة تجّار لحوم الدواجن: هذه الجهة مسؤولة عن الترفيع في الأسعار    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة في الإسلام: القرآن أزال لعنة الخطيئة الأبدية التي التصقت تاريخيا بالمرأة وحدها
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

نشرنا في الأعداد الثلاث الماضية الجزء الأول والثاني من الدراسة التي أعدها الأستاذ عادل كعنيش حول حقوق الانسان في الإسلام والديمقراطية في الإسلام وقد تعرض خلال الجزء الأول إلى مختلف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أكدت على حقوق الإنسان واستنتج ان احكام الشريعة الإسلامية وضعت اللبنات الأولى لحقوق الإنسان الشخصية والسياسية والاقتصادية اما في الجزء الثاني فقد أوضح انه لا وجود لتعارض بين الاسلام والديمقراطية مؤكدا على ان العلمانية والديمقراطية ليسا مترادفين.
وننشر اليوم الجزء الثالث والأخير من هذه الدراسة وهو يتعلق بالمرأة في الإسلام وبذلك تكون هذه الدراسة قد شملت النواحي الثلاث التي استغلها الغرب لمآخذة الاسلام.
تحدثنا سورة آل عمران في الآية 35 أن أم مريم قالت بعد ولادتها (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت و ليس الذكر كالأنثى وأني سميتها مريم واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم).
هذه الآية تضع علاقة الجنسين الرجل والمرأة ببعضهما في صميم الموضوع ، هل هما متساويان أم أن الاسلام لم يقر مبدأ المساواة بل عوضه بمبدأ آخر هو مبدأ التوازن .
لا شك أن الاسلام مازال الى يومنا هذا لا يحظى بسمعة طيبة في خصوص موقفه من المرأة حتى بات الكثير يعتبرونه دينا معاديا للمرأة لكن طرح هذا الموضوع و مناقشته يدلان على نقص في المعلومات عن الاسلام بل أن الكثير من الغربيين يتمسكون بمعلومات مغلوطة لأن قضية المرأة في الحضارة الإنسانية تبين أن هذه الأخيرة لم تحضى في تاريخ الحضارة القديمة باستثناء الحضارة الفرعونية بأي اعتبار فقد كانت المرأة عند الرومان و اليونان واليهود و المسيحيين محتقرة لأسباب ترجع لبداية التاريخ أي لحواء فالديانات القديمة ألصقت بالمرأة صفة الغاوية التي غررت بآدم ليقطف التفاحة فكان نتيجة ذلك أن أنزلها اللّه الى الأرض و كتب على حواء بالاضافة لذلك عقوبة الحمل لكن القرآن يصف الذنب الذي ارتكبه كل من آدم وحواء على أنه فعل مشترك أدى بأن ينزل كلاهما من الجنة الى الأرض كما أن القرآن لا يتضمن ما يشير الى أن آدم خلق قبل حواء وأن الأخيرة خلقت من ضلع من ضلوعه وتختلف هذه الصور تماما عن الموروث اليهودي و المسيحي الذي يحمل المرأة ذنوبا شتى مما أدى الى تردي وضعيتها في الأديان الحضارات القديمة .
اذن فالقرآن أزال لعنة الخطيئة الأبدية التي ألصقت تاريخيا بالمرأة وحدها و جعل المرأة كالرجل من حيث المسؤولية يقول الله تعالى في سورة الأعراف (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوأتهما) وأكد الاسلام أن المرأة والرجل خلقا من نفس واحدة إذ يقول تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة( وقد عالج الاسلام الوضعية السيئة التي كانت عليها المرأة قبل الاسلام حيث كانت تئن من ظلم المجتمع لها اذ لا حق لها في الارث بل أنها كانت تورّث في بعض الحالات كسائر الأمتعة والأثاث اذ يقول تعالى في سورة النساء (يا أيها اللذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) كما كان الآباء يتشاءمون من ولادة الأنثى اذ يقول الله تعالى في سورة النحل (واذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا و هو كظيم( كما أن بعض قبائل العرب كانت تئد البنات يقول الله تعالى في سورة التكوير (واذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت( وقد منع القرآن بكل شدة هذه العادة احتراما للنفس البشرية وتأكيدا على عدم وجود فرق بين المرأة والرجل من حيث انسانيتهما و هذا الموقف الذي اتخذه الاسلام لم ترتقي اليه الكثير من المجتمعات الى يومنا هذا التي عادت لكي تمارس عمليات القتل المنظمة للأجنة من الاناث خاصة منذ أن استطاع الطب أن يحدد نوع الجنين بواسطة الموجات الفوق الصوتية وهو ما يحرمه الاسلام تحريما كاملا .
الى جانب الأحكام القرآنية التي رفعت من شأن المرأة وألغت الحيف الكبير الذي كانت عليه قبل مجيء الاسلام فان الرسول صلى الله عليه وسلم أوصي خيرا بالمرأة اذ نجده يقول (انما النساء شقائق الرجال) و(استوصوا بالنساء خيرا).
الاسلام بريء مما حصل للمرأة من اضطهاد اذ أن الرجال في كثير من الحلات استأثروا بتغيير التشريعات وقاموا بوضع قوانين خاصة بالمرأة مما أدى الى ضياع الكثير من حقوقها التي كفلها الاسلام ويمكن القول أن اضطهاد المرأة هي ميزة للأزمنة التي يضعف فيها ايمان الرجال .
لقد اعتادت المجتمعات الإسلامية على التمسك بأن المرأة خلقت للأسرة و للقيام بشؤونها و تربية الأطفال فقط و لكن ليس هنالك سند واحد في القرآن و السنة يؤكد هذا الرأي فتقسيم المسؤوليات هو ثمرة تقاليد اجتماعية ولكن هذه التقاليد لم تكن نتيجة حكم من أحكام الاسلام.
نعود الى وضعية المرأة في الاسلام لنجد أن الاسلام منحها ذمة مالية مستقلة عن زوجها و أهلها اذ يقول الله تعالى في سورة النساء (وللرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن(.
كما أن علاقة الزواج بين المرأة و الرجل قد وضعها القرآن وفق المعايير الحديثة بشكل ايجابي حتى وان لم يكن الزواج عقدا مقدسا ففي سورة الروم يقول الله عز وجل (وجعل بينكم مودة و رحمة) ويقول في سورة البقرة عن الزوجات (هن لباس لكم و انتم لباس لهن).
كما سوى الاسلام بين المرأة و الرجل في وضعهما الديني اذ حملها كل الفروض من صلاة و صيام و زكاة و حج و قد عبر القرآن عن هذا الموقف بشكل واضح و بليغ اذ يقول الله تعالى في سورة الأحزاب (ان المسلمين و المسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما).
فلا وجود لأي نهي للمرأة عن الذهاب لأداء الصلاة جماعة في المسجد خاصة يوم الجمعة باعتبار أن صلاة الجماعة هي وظيفة تربوية واجتماعية وسياسية اذ أن عدم ذهاب المرأة للصلاة بالمسجد لا يتوافق مع كان يحدث في العقود الأولى للاسلام حيث قامت امرأة بمراجعة عمر رضي الله عنه الذي قال « لا تزيدوا مهور النساء على أربعين أوقية فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال فقامت امرأة من صف النساء فقالت « كيف تقول ذلك و الله تعالى قد قال في سورة النساء (وآتيتم أحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا و اثما مبينا( فقال عمر (امرأة أصابت ورجل أخطأ).
وينطبق ما سبق ذكره بالنسبة للفروض الدينية على وضعها الذهني فالاختلاف البيولوجي بين المرأة و الرجل لا يعني أن أحدهما أكثر ذكاءا من الآخر فقد قامت عائشة برواية الحديث وصححت بعض الصحابة فيما رووه عن النبي وكانت حافظة للقرآن متمكنة من التفسير و الفقه كما قامت بدور سياسي بعد وفاة الرسول .
وقد تحدث القرآن عن عدة نساء صالحات كما هو الشأن لملكة سبأ ولأم موسى وزوجة فرعون ومريم وأمها مما يؤكد أن الاسلام لم يفرق بين المرأة والرجل في المقدرة الذهنية أو في الذكاء.
لكن اذا كان الأمر على هذه الشاكلة فما هي مبررات النقد الغربي لوضع المرأة في الاسلام ؟
يتجه النقد الغربي لوضع المرأة في الاسلام الى ستة مواضيع أساسية و هي تعدد الزوجات وانتقاص وضعية المرأة في مسائل الارث والشهادة وزي المرأة و سلطة الرجل المطلقة في الطلاق والتعويض أو الدية وعدم أحقية المرأة بوظائف الدولة والقضاء.
لقد اتهم الاسلام بأنه دين يحرض على تعدد الزوجات ولكن بالتمعن في مضمون الآية التي تحدثت عن هذا الموضوع بسورة النساء و هي الآية رقم 2 و التي تقول (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) ويؤكد الله سبحانه وتعالى في الآية 128 من نفس السورة (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم( فهذه الآيات تبين أن تعدد الزوجات هو مرتبط أولا بالعدل الذي لا يمكن تحقيقه .
غير أنه بقراءة متمعنة للآية الأولى و التي تحمل رقم 2 من سورة النساء يتبين أن التنصيص على موضوع اليتامى له معنى ذو نفع و فائدة إذ يرى الكثير أن الحروب التي حدثت في بداية انتشار الاسلام خلفت العديد من النساء اللواتي فقدن أزواجهن و جاءت هذه الآية كحل لليتامى الذين بقوا بدون عائل لذلك فانه يشترط في تعدد الزوجات تحقق شرط موضوعي آخر غير العدل و هو أن تكون الزوجة الثانية قد فقدت زوجها و لها أبناء يتامى وهو ما ذهب إليه البعض من الفقهاء.
أما الآية 34 من سورة النساء التي تنص على (إن الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم( فلقد ترجمت هذه الآية في البداية عندما ترجم القرآن لأول مرة بطريقة تصور علاقة المرأة بالرجل كأنها علاقة التابع بسيده وأن الرجل أعلى من المرأة ولكن ظهرت ترجمة حديثة للقرآن مضمونها أن الرجال مسؤولون عن النساء وهو ما يلقي على الأزواج مسؤولية رعاية الزوجات رعاية كاملة بما فيه الجانب المالي .
أما النصيب الأكبر من النقد الغربي فقد انصب على موضوع الزي و خاصة غطاء الرأس و بالرغم من وضوح الآية التي جاءت بسورة النور الآية 30 و كذلك الأية التي جاءت بصورة الأحزاب فإنه لا يمكن أن نغفل عن الظروف التاريخية التي نزلت فيها هذه الآيات وخاصة الثانية إذ طلب من المرأة أن تضع الحجاب للتمييز بين المرأة الحرة والأمه حتى لا تشاغب الأولى في عرضها بعد أن حصلت تجاوزات عديدة لذلك يمكن القول أن ما يهم الاسلام هو الجوهر فسورة النور لم تضع شكلا ثابتا محددا و جامدا لملابس المرأة ولكن نموذجا يجب تحقيقه وفقا للظروف و العادات السائدة .
فالمهم هو الطهارة و العفة أما الطرق التي تؤدي الى ذلك فهي مرتبطة بالبيئة المحيطة فلابد من التعفف ولكن يمكن أن تتخذ سبل عدة لتحقيق هذا الهدف أما بالنسبة للنقاب فليست له جذور في الاسلام .
أما موضوع الفصل بين الجنسين فان الاسلام لم يفرض هذا الفصل اذ أن المرأة كانت في صدر الاسلام صاحبة مبادرة واشتغلت بالتجارة كما هو الشأن بالنسبة لخديجة رضي الله عنها بل أن التاريخ يؤكد أنها هي التي بادرت بإعلان رغبتها في الزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم كما كانت المرأة حرة في اتخاذ الموقف الذي تراه، فقد اعتنقت فاطمة شقيقة عمر بن الخطاب الاسلام قبل شقيقها كما أن أول شهيد في الاسلام هي سمية بنت ياسر.
وقد كانت المسلمات في صدر الاسلام يشاركن في التجمعات العامة و كل صلاوات الجماعة وليس هنالك أي اشكال في تواجد المرأة الى جانب الرجل اذ أن الاسلام لا يمنع سيدة المنزل أن تستقبل ضيوف زوجها و تؤدي لهم واجب الضيافة وتتحدث اليهم كما لا يوجد ضرر من السلام بتصافح الأيدي خاصة في المناطق المعتادة على ذلك فالفصل بين الجنسين والذي تريد بعض المجتمعات الاسلامية اقراره يتعارض مع المبادئ الأساسية التي أرساها الاسلام لتنظيم العلاقة بين الجنسين .
نصل الآن الى نقطة مهمة في هجوم الغرب ضد الاسلام وهو وضع المرأة بالنسبة لقوانين الارث والقوانين المدنية وأول الانتقادات هو حق الرجل في الطلاق وضرورة اللجوء للمحكمة بالنسبة للمرأة .
أعتقد أن ذلك يعود الى سبب جوهري و هو الموقف القانوني للإسلام من اقتسام الأملاك اذ أن المرأة تحتفظ عند الطلاق بكافة أملاكها وتبقي ما حصلت عليه بموجب الزواج بغض النظر عن مدة الزواج لذلك كان عليها اذا أرادت الطلاق أن تذكر أسباب ذلك لأنها لا تخسر كثيرا في طلاقها بينما يتحمل الزوج الكثير الذي سيخسر كل ما أعطاه للزوجة من مهر وما وهبه لها من هدايا وغيره فضلا على أنه سيبقى العائل لها أثناء العدة والعائل لأبنائه منها وهي كلفة مادية هامة فاللجوء الى القضاء هو أمر ضروري لمعرفة أسباب الطلاق. هذا الموقف قد وقع تجاوزه اليوم في كثير من البلدان و في طليعتها تونس باعتبار أن الطلاق لا يحصل بالنسبة للطرفين الا عن طريق القضاء وهذه النظرة الاجتهادية لا تتعارض اطلاقا مع أحكام الشريعة بل أنها تحفظ مصالح الطرفين وتصون مصالح العائلة التي تقوم بالأساس على مصالح الأبناء .
أما بالنسبة للارث فالمرأة ترث نصف ما يرثه أخوها لكن وضعها هنا أفضل لأنها غير ملزمة في الاسلام بانفاق ما كسبته على الأسرة بينما يكون الأخ مسؤولا على الأسرة بما فيها الأخت التي ترث نصف ما ورثه شقيقها و لها الاحتفاظ بكامل نصيبها من الميراث وعلى أخيها أن ينفق عليها حتى تتزوج أما الاشكال الحقيقي فهو يكمن في سورة البقرة وفي الآية 282 التي نصت على ما يلي: (واستشهدوا بشاهدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل و امرأتين مما ترضون من الشهداء( ولقد سيقت تفسيرات عديدة لتوضيح هذا الأمر لكنها لم تكن مقبولة وخاصة التي وصفت المرأة بأنها كائن عاطفي .
يمكن تفسير هذه الآية بأنها تخص المعاملات المالية حيث أن المرأة كانت عند مجيء الاسلام عديمة المعرفة بالشؤون المالية ومما يؤكد هذا الرأي أن القرآن تعرض الى موضوع الشهادة في ثمانية مناسبات أخرى ولم يذكر هذا الموضوع بالمرة وقد عالجت القوانين الوضعية موضوع الشهادة في المعاملات المالية فجعلتها غير هامة بالنسبة لاثبات الالتزامات المالية سواء كان الشاهد امرأة أو رجل لكن فيما عدى المعاملات المالية فانه لا مانع من اعتماد شهادة المرأة ومساواتها مع شهادة الرجل والدليل على ذلك أن عائشة رضي الله عنها قد اعتبرت شهادتها كافية لاثبات الكثير من الأحاديث بل الأكثر من كل ذلك أنها ردت أحاديث لبعض الصحابة و صححت لهم كثيرا فشهادة المرأة تعادل شهادة الرجل بصفة عامة
أما بالنسبة لموضوع التعويض أو الدية فان التعويض يقوم على أساس الضرر المادي الذي يلحق بالأسرة عندما يقتل الرجل أو المرأة. وباعتبار أن الانفاق هو محمول على الرجل فان الضرر الذي يلحق الأسرة يكون أهم عند وفاة الرجل من الضرر الحاصل عند وفاة المرأة وهو ما يفسر الاختلاف الذي تضمنه القرآن في موضوع الدية .
وأخيرا فانه بالنسبة لوظائف الدولة و الوظائف القضائية فانه لا وجود لمانع يحول دون تحمل المرأة لهذه المسؤوليات اذا توفرت المرأة الصالحة لتولي هذه المناصب و الصفات الضرورية هي الحزم والعزم والعقل وقوة التحمل وصلابة الارادة وقد كنا أوضحنا أن العالم الاسلامي أنجب رئيسات حكومات أكثر مما أنجبته الولايات المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا .
أما بالنسبة للمسؤوليات القضائية فقد أجاز أبو حنيفة تولي المرأة القضاء المدني أما بن حزم و الطبري فقدأجازا للمرأة تولي كل أصناف القضاء بما فيه القضاء الجنائي.
أختم كلامي بالقول أن الاسلام في حاجة اليوم و أكثر من أي وقت مضى الى من يدافع عنه بأسلوب موضوعي بعيد عن التعصب حتى تبعد عنه كل التهم التي ألصقت به باطلا وحتى يبرز من جديد كدين متسامح يرفض الانغلاق ويرمي الى اشاعة الخير و الفضيلة فيكون ذلك أنجع رد على الخصوم المغالين اللذين يسعون بكل الوسائل الى تشويهه، وهذا المجهود لا يمكن أن يتحقق الا بانخراط المسلمين المستنيرين المتفتحين في هذ المسعى. ولقد كانت تونس ومازالت بقيادتها ونخبها أول المؤمنين بهذا الخيار.
يقول الله تعالى في سورة العصر: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر(.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.