نعلم ان «القانون لا يحمي المغفلين» ولكن من يحمي القانون من «النابغين» الذين يتلاعبون بأحكامه دون ان يقعوا تحت سطوته. ما رأيكم في زوجة تخون زوجها ثم تقتله فلا تفوز في النهاية بالبراءة فحسب بل بالميراث ايضا؟ ما قولكم في زوجة تتاجر بجسدها وتمارس البغاء السري بعلم زوجها دون ان يعاقبها القانون؟ كيف تعلقون اذا رأيتم شخصا يتعاطى المخدرات امام اعوان الامن دون ان يخشى العقاب؟ لا يسعنا المجال لذكر جميع حالات التحيل على القانون والتلاعب بأحكامه ولهذا نقتصر على عينة من الوقائع المثيرة علما بأن بعضها فاجأ النيابة العمومية والمحاكم قبل الحكم بإخلاء سبيل المورط فيها. تقتله ثم ترثه؟! لن يتفاجأ اغلب رجال القانون ومدرّسيه وطلبته بالوقائع التالية التي لم تحدث في بلادنا ولكنها ممكنة من الناحية النظرية. فلنفترض ان زوجة كشفت لزوجها عن خيانتها ثم عمدت الى قتله حتى لا يفضح امرها فإن فعلتها تندرج منطقيا تحت طائلة الفصل 204 من القانون الجنائي (القتل المسبوق بجريمة أخرى) الذي ينص على عقوبة الإعدام. ولكن ذكاءها ومعرفتها بالقانون يمكنانها من النجاة اذا اتبعت الخطوات التالية: تبدأ اولا بدعوة صديقها الى محل الزوجية ثم تتعمد استقدام زوجها حتى يقف على خيانتها ثم تسعى الى قتله (بمفردها او بمساعدة صديقها) ثم تتصل برجال الامن وتخبرهم بجريمتي الزنا والقتل. وعندما ينطلق استنطاقها تذكر انها خائنة وانها دعت صديقها فعلا فلما قدم زوجها وضبطها متلبسة حاول قتلها فاضطرت الى قتله دفاعا عن نفسها. فتتخلص في هذه المرحلة من جريمة القتل بما انه لا عقاب لمن يقتل نفسا اثناء دفاعه الشرعي عن نفسه. ولا يمكن في هذه النقطة ان نرمي النيابة العمومية بالبلاهة فمن المنطقي جدا ان تكذب اقوال الزوجة وان تتوقع براءة الزوج (القتيل) من محاولة قتل زوجته ولكن من اين لها بالأدلة التي تفند اقوال الزوجة ففي اسوإ الحالات (بالنسبة الى الزوجة) نقول ان هناك شك، والشك يكون دائما لصالح المتهم حسب ما يطبق في جميع قوانين العالم. واذا نالت الزوجة البراءة من تهمة القتل فإنها تنجو من جريمة الزنا حتى اذا اقسمت على الملإ بارتكابها والسر في ذلك ان جريمة الزنا جريمة شخصية لا يثيرها الا الزوج المتضرر فإذا توفي فإنه لن يقوى على إثارة الدعوى. واثر هذا كله لن يبقى للزوجة الزانية والقاتلة غير نيل ميراث ضحيتها والتمتع به خارج السجن. تتاجر بجسدها يعاقب القانون التونسي كل من تمارس البغاء السري (التي تتاجر بجسدها سرا بمقابل) ولكن سنعرض عليكم قضية واقعية (حدثت قبل سنوات) تم فيها التحيل على القانون بالقانون. كان احد «الرجال» رغب في الثراء غير القانوني وغير الاخلاقي وغير الرجولي فاقنع زوجته بممارسة البغاء السري ثم امكن لأعوان الامن ضبطها متلبسة فادعت خوفها من ردة فعل زوجها وقد اكتشفت النيابة العمومية ان فعلة الزوجة تخضع في آن واحد الى جريمتين فمن جهة تتوفر شروط البغاء السري (المتاجرة بالجسد سرا بمقابل) ومن جهة أخرى تتوفر شروط الزنا (من شروط الزنا ان يكون احد المتهمين او كلاهما متزوجا). ولا تستطيع النيابة العمومية (تطبيقا للقانون) ان تنسب لشخص جريمتين مقابل فعلة واحدة ولهذا اختارت مبدئيا الجريمة الاخطر وذات العقوبة الاشد وهي الزنا. وتطبيقا للقانون تم اعلام الزوج بأن زوجته ضبطت متلبسة وان القانون يخيره بين تتبعها عدليا وبين الصفح عنها. وقد كان الزوج يعلم ان صفحه عن زوجته يخلصها من جريمة الزنا لكن النيابة العمومية لن تأمر بترك سبيلها بل انها ستعود الى ملاحقتها بجريمة تعاطي البغاء السري. ولهذا اعلن عن رغبته في تتبع زوجته عدليا بتهمة الزنا ثم انتظر محاكمتها والحكم عليها بالسجن قبل ان يعرب عن نيته في الصفح عنها فسقطت العقوبة وعاد بزوجته الى منزلهما فرحين مسرورين! عريس بالقانون لم يغفل القانون التونسي عن حماية الفتيات مادامت اعمارهن تحت العشرين سنة ومن ذلك ان المشرّع احدث جريمة مواقعة انثى برضاها سنها دون العشرين واقر تخيير الشاب (صاحب الفعلة) بين التزوّج بتلك الانثى حتى يسترها وبين التورط في السجن. ولهذا لاتجد الفتاة صعوبة كبيرة في الاستفادة من هذا الفصل القانوني فاذا اعجبها شاب ما لوسامته او ثراه او مركزه الاجتماعي... فأنها تنصب له شباكها وتشرع في مطاردته واغوائه وإذا نجحت في تمكينه من نفسها برضاها التام فإنها تلجأ الى العدالة حيث يجد نفسه بين امرين فإما ان يتزوّج بفتاة لا يربطه بها غير نزوة عابرة او خطإ وإما ان يقضي مدة في السجن و الغالب حسب ما نشاهد في قاعات المحاكم ان يرجح الشاب كفة الخيار الاول هروبا من السجن وحماية للمستقبله المهني او الدراسي. اشكالات قانونية لا ينكر احد (من المطلعين) وجود القانون التونسي المتعلق بالمخدرات وتطوّره وشموليته ودقته حتى انه ضبط المواد المخدرة في جداول لكن هذا لم يمنع من ظهور بعض الاشكالات. فمن ذلك ان اعوان الامن ضبطوا مادة «القات» (مادة مخدرة يتم انتاجها في اليمن) لدى احد الشبان فتمت احالته على المحاكمة بتهمة حيازة مادة مخدرة لكن لسان الدفاع اثار إشكالا قانونيا وهو ان تلك المادة ليست مدرجة بالجداول التي ضبطها القانون التونسي ولهذا طالب بإخلاء سبيل منوّبه تطبيقا للقانون وفي حادثة شبيهة اضطرت احدى الدوائر الجناحية بتونس قبل ايام الى الحكم بعدم سماع الدعوى في شأن شاب متهم بحيازة سلاح ابيض دون رخصة وكان اعوان الامن حجزوا لدى هذا الشاب قارورة غاز مخدر واحتارت النيابة العمومية في وصف التهمة فذلك الغاز ليس سلاحا ناريا ولهذا اعتبرته (من باب الاجتهاد) من قبيل الأسلحة البيضاء لكن لسان الدفاع نجح في انقاذ المتهم بناء على ان القانون التونسي حدد ماهية الاسلحة البيضاء فلم يذكر ضمنها قوارير الغاز المخدرة وبهذا نجا المتهم من السجن رغم ان المحجوز يستعمل في الاعتداء على الضحايا او ترهيبهم. هذه العيّنة من اشهر «التحيلات» القانونية لا تعني ان نصوصنا القانونية متأخرة فالمشرع التونسي يساير التطوّرات كلها بالتوازي مع تدخل محكمة التعقيب لكن هناك من النابغين من يترصد كل ثغرة للنجاة من العقاب. نسمع دائما عبارة «لا يعذر الجاهل بجهله للقانون» ولكن هل نعذر المطلع بإلمامه وإطلاعه ونبوغه؟