الباب الخاطىء رجل حوّاء / امرأة آدم n بقلم : منصف الوهايبي من الظواهر اللافتة في الثقافة العربية الحديثة، ظاهرة »الأدب النسوي« أو النسائي التي عمّت أقطارا عربية كثيرة، بما فيها تلك التي لم تحصل فيها المرأة على أبسط حقوقها، أو هي لا تزال على هامش المجتمع والتاريخ. على أن هذا المصطلح »الأدب النسوي« يعاني قدرا غير يسير من قلق العبارة، أو هو لا يزال في طريقه إلى التدقيق والاستقرار وربما رأى فيه البعض فصلا لا مسوّغ له بين أنماط من الكتابة هي بمثابة قواسم مشتركة بين الرجل والمرأة. فالأدب علم لا موضوع له. وإذا كان كذلك فإن أي موضوع يصلح أن يكون مادة للأدب، سواء كان مخصوصا بالرجل أو بالمرأة، خاصة أن هذه المادة وهي »واقعيّة« بالمعنى الواسع للكلمة الذي يعدو مجرّد تصوير الأشياء أو تمثيلها في حقيقتها، إلى خوافيها وأوهامها واستيهاماتها لا تقتضي بنية فنيّة، على حين يقتضي تشكيل البنية الفنية، اعادة بناء هذه المادة على مقتضى القوانين الجمالية . وهذا عمل مرتهن ب»موهبة« الكاتب وخبرته وثقافته، ولا علاقة له، في الظاهر، بالجنس الذي ينتمي إليه. لذلك يبدو مصطلح »النقد النسوي« أكثر دقة وملاءمة لهذا الخطاب الذي ذاع أمره في الستينات من القرن العشرين. وقام أساسا على المطالبة بحقوق المرأة المشروعة في العالم الغربي، من مساواة وحرية اجتماعية واقتصادية وثقافية وكانت فرجينيا وولف واحدة من أهم رائدات حركة تحرير المرأة وقد أقامت نقدها على مهاجمة فكرة الوطنية والقومية وقيم المؤسسة الأبوية البريطانية التي شنّت باسمها حروب عديدة في شتى أنحاء العالم. ومن المأثور عنها قولها : »باعتباري امرأة ليس لي وطن. باعتباري امرأة لا أريد وطنا باعتباري امرأة فإن العالم كله وطن لي«. على أن هذه الدعوة الى تقويض الحدود والفواصل بين الثقافات تنطوي على نوع من »الاستعلائية« هي أشبه ما تكون بصوفية أحادية مفارقة. وقد تصدت لها غير واحدة من الكاتبات. ولعل الشاعرة الأمريكية أدريان ريتش أكثر هؤلاء جرأة ووضوحا، فمن الضروري بالنسبة إليها أن تعلن المرأة هويتها الثقافية وتعترف بها. تقول أدريان : »علينا أن نفعل ذلك حتى ونحن نفرض فكرة الوطنية والشوفينية التي تقدم لنا باعتبارها »طريقة الحياة الأمريكية« فربما كان أكثر الأوهام زيفا وأشدها غلاّ وحقدا في أوهام القوة الأمريكية أوهام القوة الغربيةالبيضاء هو وهم أن الرجل الغربي في مركز الكون، وأنه يحمل رسالة وحقا في أن يحكم على قيم الآخرين ويستنزفها ويخربها...« ومهما يكن من أمر هذا التعدد أو الاختلاف في »النقد النسوي« ومن تعدّد مصادراته ووجهات النظر فيه فإن الجامع بينهما جملة من المفاهيم هي في تقديرنا مفاتيح هذا النقد. ومن أظهرها إقرار أصحاب هذا النقد أو صاحباته أن الثقافة الغربية هي اجمالا ثقافة الذكر (الأب) فهي تجسد سلطة الرجل في شتى مناحي الحياة الدينية والعائلية والسياسية والفنية وما اليها. وهذا من شأنه أن يستدعي إعادة تعريف مفهوم النوع البشري (ذكر وأنثى) فهو في تقدير هؤلاء بنية ثقافية أرستها وعززتها سمات الذكورة في شتى الأعمال الأدبية والفنية منذ العصر الإغريقي إلى عصرنا هذا. وقد أفضى ذلك الى اغتراب المرأة وتغريبها عن عالمها الداخلي سواء في مظاهره الأجلى مثل تجربة الحمل والوضع والرضاعة وعلاقة المرأة بالمرأة، أو في مظاهره الأشد خفاء من ذكريات وأحلام واستيهامات... فالمرأة الكاتبة كثيرا ما ترى من حيث لا تدري بعين الرجل، وتنحاز لقيمه وطرق ادراكه، وقلما تغامر بتحطيم الحاجز العقلي الذي يفصل الخاص عن العام كأن تتخذ من جسدها أو تجاربها الخاصة موضوعا أو مصدر كتابة. لهذا وغيره مما لا يتسع المجال لذكره، تركز »النقد النسوي« في الغرب في سمتين بارزيتين احداهما إبراز »الذاتية الأنثوية« في تفكير المرأة وكيفية ادراكها لذاتها وللعالم الخارجي واخرى وهي في غاية الدقة تحديد خصائص لغة الأنثى سواء في المنطوق أو المكتوب، من خلال بنية الجملة وتركيبها وما يتصل بها من صور استعارية وأبنية خيالية. تقول الأمريكية أدريان ريتش : »نحن النساء في حاجة الى فن خاص بنا يذكرنا بتاريخنا وما عسى أن نكون، لكي يرينا وجوهنا كلها، بما فيها الوجوه غير المقبولة، فن يتحدث عمّا أغفل وأهمل سواء بالصمت أو بالاشارة من بعيد... إننا نحاول بناء حركة سياسية وثقافية في قلب الرأسمالية، في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث تتبنى العنصرية كل أشكال العنف الجسدي والنفسي وعنف المؤسسات... حيث يوجد أكثر من فرد بين كل سبعة أفراد يعيش تحت خط الفقر. إن حركة التحرر النسائي الأمريكي تثبت جذورها في هذا البلد الذي له تاريخ خاص في كراهية الفن... الذي وضع الفن في عبوات كسلعة للبيع ك»شيء« صناعي رائع تأخذه دون أن تدري لماذا؟!«. هذا رأي في »النقد النسوي« مختزل جدا وقد أعود إليه في باب آخر. ولكنه يشير إلى أن الرؤية الأدبية أو الفنية أعمق من أن تجزأ بين ذكر وأنثى. فهي اتحاد بين الاثنين : رجل حوّاء، أو امرأة آدم. ومثلما يستطيع هذا أن يفكر من خلال الأنوثة، تستطيع تلك أن تفكر من خلال الذكورة ومنطق الضدين الثنائيين قد يكون قائما في كل كتابة. والرؤية الفنية الحق إنما هي في المصالحة بين كل الأضداد.