كانت تبكي حينا وتنوح حينا آخر وتسأل بين الفينة والاخرى بدارجتها المخنوقة: «جبتوه؟... وقتاش يجي؟». فما أفظع أن تسأل الأم عن ابن لن يأتي أبدا لانه صار في عداد الموتى. هلك ابنها «عادل» (30 سنة) في جريمة قتل (مثلما انفردت الشروق بذكره في عددها الصادر يوم أمس). وقد حاولنا تتبع المعلومة فتنقلنا الى منزل الهالك الكائن بقرية السواهلية لقريبة من مدينة تستور (ولاية باجة) حيث عايشنا مشهدا موغلا في الدراما. * ذكر اسم قاتله... ثم مات تردد صاحب الشاحنة «الباشي» في نقلنا الى مكان الواقعة، ولكنه في النهاية فعل حين جمعتنا الصدفة بشقيق الهالك وأخبرناه بغايتنا فلم يمانع وشجع مرافقنا على اصطحابنا الى بيت العائلة. حيث استقبلنا العم الهادي الهمامي، والد الضحية عادل وفتح لنا باب البيت والقلب... سألناه، بعد أن أدّينا واجب العزاء والمواساة في فقده لابنه، عن ملابسات الجريمة فكفكف دموعه ودعانا للجلوس وأشار الى مكان الجريمة الذي يبعد مسافة 15 مترا تقريبا عن باب المنزل الخارجي وقال: «هنا قتل ابني بل طعن عدة طعنات وتحامل على نفسه حتى وصل الباب... كان خائر القوى تماما عندما رأته أمه فهرعت اليه بعد أن أفقدها صوابها مشهد الدماء النازفة... ومدت ذراعيها لتحضنه... فتهاوى بين يديها ولم يتمكن من النطق بغير اسم «فلان» وكان يشير الى اسم قاتله... فصاحت مهرية (أم القتيل) وطلبت النجدة ثم فقدت وعيها»... «كنت خلفها يتبعني بعض أبنائي يواصل الأب روايته صعقنا، اختلفت ردود الفعل لدينا، وعمّ الخوف والهلع والوجيعة أرجاء البيت... ثم أقبل الجيران وسارعنا بنقل المرحوم الى المستشفى حيث تبيّن لنا أنه فارق الحياة... لقد ما ت ابني، بل قتلوه، في عز الشباب وهو ولد صالح ورصين واسألوا عنه القريب والبعيد». توقفت كلمات «عم الهادي» عن مخارجها وبدا واضحا ان الالم يعتصره فتدخل ابنه علالة (عمره 22 سنة وهو أقرب الاشقاء الى قلب الضحية) ليؤكد رواية والده ويستوفي الحلقات المفقودة في رواية الوقائع. * الكلاب حاصرت القاتل يقول علالة، انه لم يكن حاضرا ساعة وقوع الجريمة، ولكنه علم من العائلة أن شقيقه (الهالك) كان في حدود التاسعة مساء من يوم الثلاثاء يشاهد التلفزيون في غرفة تحاذي الباب الخارجي للمنزل حين سمع نباح الكلاب وهي تحاصر «فلانا» القاتل (وهو قريب العائلة وجار في ذات الوقت) فوضع القتيل جمازته على كتفه وخرج ليستجلي الامر ثم تقدم لمساعدة «الجار» وفك حصار الكلاب عنه. ويبدو أنه لامه على كلامه البذيء وطلب منه خفض صوته فتظاهر بالامتثال واستدار وفجأة استل موسى من ثيابه وسدد له عدة طعنات في صدره ثم لاذ بالفرار تاركا في مكان الجريمة دراجته وضحيته معا... ونسأل «علالة» عن دوافع الجريمة وهل ثمة بين القاتل وضحيته سوابق عدائية فيجيب بأنه «ثمة كلام يتردد حول خلافات مدارها «فتاة» لها صلة قرابة بالقاتل وربما وقعت أيضا مشادة كلامية أو شيء من هذا القبيل... ولكن لا أستطيع تأكيد ذلك إطلاقا». ويؤكد عم الهادي كلام ابنه مشيرا الى أن حكاية الفتاة موجودة وقد علم أن القاتل طلب من ابنه الابتعاد عنها... ولكنه لم يتدخل لانه يثق بأخلاق الفقيد. ويتعالى بكاء النساء ونواحهن من داخل الدار وقد تجمعن حول الأم يواسينها فكنّ، في الحقيقة يزدن من حرقتها ولوعتها على فلذة كبدها... وفي ركن من الفناء انزوت أخت الضحية رجاء (14 سنة تلميذة) فدنونا منها لتهدئتها فزاد بكاؤها مرارة ثم انفجرت قائلة: «كنت أرى الدنيا بعينيه كان أخا وصديقا وأبا... لقد انتهت أحلامي بنهايته». * إلقاء القبض على القاتل تعددت الروايات ولكنها لم تختلف كثيرا عن الرواية الرسمية التي أثبتها التحقيق الى حد الآن والتي مفادها أن أعوان الحرس الوطني بتستور تحولوا الى مكان الجريمة ساعة تلقيهم الخبر وعاينوا الموقع وقاموا بتحرياتهم وثبت أن القتيل قد نطق فعلا باسم قاتله قبل وفاته فسارعوا بالبحث عنه ولكنهم لم يجدوه في البدء ثم أعادوا الكرّة وداهموا منزل والديه فجرا وتمكنوا من إلقاء القبض عليه دون أن يبدي أية مقاومة واعترف المشبوه فيه (26 سنة عامل يومي) منذ الوهلة الاولى بارتكابه الجريمة وصرح أنه كان ينتظر «الصباح» ليسلم نفسه الى مصالح الامن، كما دلّ المحققين على المكان الذي أخفى فيه أداة الجريمة فتم البحث عنها وعثروا عليها وحجزوها... وقد تم الاحتفاظ بالمتهم على ذمة التحقيق، لكنه رغم اعترافه بالقتل يبدو أنه لم يبح بأسرار الجريمة كاملة وبصفة خاصة الجزء المتعلق منها بفرضية وجود شريك له من عدمه، إذ تحوم الشكوك حول امكانية تغلّب القاتل على ضحيته الذي يتمتع ببنية جسدية قوية مما أقام الشك حول وجود طرف ثالث قد يكون ساعد في شل حركة الراحل. ولهذا سننتظر نهاية التحقيقات حتى تتضح الحقيقة كاملة.