نظرت محكمة الاستئناف يوم الجمعة الفارط في الطعن الذي تقدّم به ثلاثة أشخاص بعد إدانتهم من قبل احدى الدوائر الجنائية في طورها الابتدائي من أجل تهم متعلقة بالتدليس والاضرار بالادارة والانتفاع على غير الوجه القانوني وسجنهم بمقتضى ذلك بأحكام تراوحت بين السنة والأربعة أعوام. المتهمون الثلاثة هم موظف بإحدى الادارات العمومية التونسية ومواطن عربي يعمل مدرّسا متعاقدا بالمعاهد الثانوية التونسية وثالثهم افريقي يعمل أيضا مدرّسا متعاقدا. وحسب وقائع القضيّة التي نظرت فيها احدى الدوائر الجنائية بمحكمة الاستئناف بالعاصمة فإن المتهم الرئيسي يعمل في القسم المهتمّ برواتب وأجور المدرّسين المتعاقدين بإحدى الوزارات. وقد تمّ اتهامه بتعمّده احداث تغييرات في جداول الأجور المضمّنة بالحاسوب المركزي للوزارة بأن سجّل مبالغ مالية كرواتب لمدرّسين بلغت في بعض المرّات أربعة آلاف دينار تونسي وقد تبيّن أن المتهمين الأخرين وهما عربي وافريقي حققوا منافع وفوائض مالية مرتفعة تجاوزت 150 ألف دينار على مراحل وعلى سنوات. وبعد أن تفطّن المراقبون بالادارة المعنيّة الى وجود تلاعبات واخلالات في حسابات الميزانية المخصّصة للرواتب والأجور قاموا بعمليات مراقبة وتفقّد فتبيّن لهم أن مبالغ مالية مرتفعة جدّا تدفع كسيولة بعنوان أجرة المتهمين الثاني والثالث حتى أن المتهم من أصول افريقية تغيّر راتبه بين 2000 و4000 دينار. وبإعلام النيابة العمومية أذنت بفتح محضر تحقيقي في الموضوع، فقام أعوان الأمن المختصّون بالجرائم الاقتصادية بالتحري والأبحاث القانونية اللازمة ليكتشفوا أن المتهم الرئيسي تعمّد الدخول الى نظام الحاسوب المركزي بعد حصوله على كلمة المرور وسجّل مبالغ مالية مرتفعة جدا بعنوان أجور للمتّهمين الثاني والثالث، فتمت دعوتهما للتحقيق ليتبيّن أيضا من خلال عمليات الحساب التأريخية لحساباتهما بالبنوك أنهما كانا ينتفعان على غير وجه قانوني بما يقوم به شريكهما الرئيسي. وبعد القيام بالاجراءات اللازمة والتحرير مع المتهمين الذين تمسكوا ببراءتهم أحيلوا على أنظار أحد قضاة التحقيق بابتدائية العاصمة حيث تمسكوا بما سجّل عليهم لدى باحث البداية الا أن النيابة العمومية رأت أنه من خلال الوثائق والحسابات البنكية أنه يمكن إدانتهم، لذلك وجّهت اليهم تهما متعلقة بالتدليس والاضرار بالادارة والانتفاع على غير الوجه القانوني من المال العام. وأصدرت ضدهم بطاقات ايداع بالسجن الى حين مثولهم أمام القضاء. وبعد أن أبدت دائرة الاتهام قرار ختم الابحاث وتهم الاحالة وبعد أن قضت الدائرة الجنائية في طورها الابتدائي بإدانة المتهمين الثلاثة والقضاء بسجن المتهم الأول لمدّة ست سنوات والمتهمين الأخرين مدّة أربعة أعوام وتغريمهم بمبالغ مالية، طعنوا في هذا الحكم بالاستئناف. وبمثولهم يوم الجمعة أمام محكمة الاستئناف بتونس أنكر كل منهم التهم المنسوبة اليه إذ أفاد المتهم الرئيسي أنه لم يعمد دفع رواتب مرتفعة لشريكيه وأنه لم يعرف كلمة المرور لنظام الحاسوب المركزي الا في مرحلة متأخرة كما نفى معرفته بالمتهمين الثاني والثالث. وأنكر المتهمان الآخران أيضا معرفتهما بالمتهم الرئيسي مصرّحين أن الحسابات البنكية لم تكن مفتعلة خاصة وأنهما استرشدا في الموضوع من قبل المسؤولين بالبنك المعني. وعن وجود مبالغ مالية مرتفعة في حساباتهما أفاد أحدهما بأن له مصادر مالية أخرى متعلقة بعقارات في بلاده فيما صرّح الافريقي بأنه خالي الذهن من الموضوع. لسان الدفاع من جهته تمسّك ببراءة المتهمين وذهب أحد المحامين الى حدّ توقع امكانية وجود «فيروس» الكتروني أصاب نظام الحاسوب المركزي مثلما يحدث في كافة أنحاء العالم. وقال بأنها جريمة عصرية تفاصيلها معقّدة ودافع على براءة منوّبه مؤكّدا على عدم انتفاع المتهم الرئيسي مما يحصل عليه المتهمان الثاني والثالث. وقد طالب من جهة أخرى ممثل النيابة العمومية وممثل الادارة بإقرار الحكم الابتدائي ومبدأ الادانة، فيما رأت هيئة المحكمة التصريح بالحكم لاحقا.