في غياب كرنفال «أوسو» والذي أصبح محل استفسار وحيرة، برمجت مؤخرا كل من بلدية سوسة والمندوبية الجهوية للثقافة عرضين في نفس السهرة يحتفيان بهذه الأسطورة أوسو أو «آلهة البحر» في خلفيتها التاريخية الاعتقادية الرومانية وفي أبعادها الثقافية التي تختص بها جهة سوسة، السهرة انطلقت بعرض رائق لفرقة موسيقية جمايكية مائة بالمائة أبدعت أصواتها غناء وعازفوها ألحانا أدخلت الجمهور الحاضر في تخميرة «بوب مارلي» من خلال إيقاعات الريقي النابعة من حي «ترينش تاون» وهو أفقر الأحياء الجمايكية فكانت ولا تزال الموسيقى الشعبية والتي أضفى عليها بوب مارلي شهرتها العالمية. العرض الثاني لم يكن منفصلا عن الأول بحكم تشارك أبعاده الفنية العاكسة لقضايا الانسان وشواغله وفنيا لم يكن أقل إمتاعا ونشوة من العرض الأول بل بحكم لغة أغانيه وهويته كان الأكثر عمقا وأرجع الجمهور الحاضر بكثافة في «رصيف الفنون» (ميناء سوسة) الى أجواء السبعينات فاستحضر أغاني برتبة حكَم ك«الكلام المرصّع»، «اللّه يا مولانا»، «الشمعة»، «ذيب الغابة»، «السفينة»، «نور الأنوار»، «القلب المسكون»، «لجواد»، «العيون عيوني».. بأصوات من مؤسسي هذه الفرقة التي لا زالت موجودة رغم التشتّت الذي عرفته وهما مولاي الطاهري الاصبهاني وعبد الكريم القصبجي وأسماء أخرى أخذت المشعل وهما ولد سعيد وجعفر الزيات أصوات بثّت ولا تزال إرساليات تتضمن في شكلها نبشا في التراث ولكن في المضمون هي قراءة لواقع المواطن العربي واستشرافا لمستقبل الأنظمة فشكّلت شحنة ثورية في الأنفس وفي نفس الوقت وصفة تخفف آلام الانسان وتقوي عزيمته تجاه مختلف أزماته وقضاياه فكان الحفلان وجهين لواقع إنساني واحد لا تزال فيه المعاناة متواصلة في ظل فن يستمدّ خلوده من كونه مأساة أو لا يكون.