مازال الى حدود الساعة الثانية من عشية يوم الامس العلم الاخضر يعلو البناءات الادارية الليبية ما يعني ان كتائب القذافي تواصل سيطرتها على المعبر الحدودي برأس جدير وسط أبناء تتحدث عن مفاوضات لتسليم النقطة الحدودية دون مقاومة. المشهد يبدو غريبا فالبوابة التي كانت تشهد مرور آلاف المسافرين يوميا توقفت فيها الحركة وبالكاد تمر من حين لآخر سيارة تحمل عائلة ليبية باتجاه تونس على ان النشاط باتجاه ليبيا توقف تماما. تتسارع الاحداث في ليبيا والسقوط المذهل للعاصمة طرابلس دفع بكتائب القذافي المتمركزة ببوابة راس جدير من رفع درجة استنفارها خشية هجوم مرتقب للثوّار. ورغم ان غموضا يخيم على عدد تلك الكتائب ونوعية أسلحتها ومدى قدرتها على التصدي لأي هجوم فإن كل المؤشرات كانت تدل على ان الموقف لن يتطور الى الاخطر بالنظر الى ما حصل في العاصمة طرابلس وتداعياته على بوابة راس جدير وبالاخص تأثيره على معنويات القوات الليبية النظامية المتمركزة ببوابة العبور وقد علمت «الشروق» ان مفاوضات جارية بين الثوار والكتائب لتسليم المعبر الحدودي دون اللجوء الى السلاح شريطة ان يُسمح للعاملين بالبوابة من عسكريين وجمارك وأمن ليبيين باللجوء الى تونس او حتى تسليم أنفسهم الى وحدات الجيش التونسي. الى ذلك تمكنت «الشروق» من رصد مواقف بعض المواطنين الليبيين الذين عبروا نهار الاسم بوابة راس جدير وعلى قلتهم فإن الجميع أكد على ان الطريق الرابطة بين زوارة مرورا ببوكمّاش والمعبر الحدودي براس جدير آمنة نسبيا كما صرّحوا بأن مجموعات كبيرة من كتائب القذافي متخفية في المباني الادارية والمستشفيات وفوق السطوح وهي تتأهب للانقضاض على الثوار الذين ربما يهاجمونها من الزاوية او صبراطة وحتى الصرمان وكل تلك المدن تقع على الطريق الساحلي الرابط بين بنڤردان والعاصمة الليبية طرابلس. وهكذا يتضح جليا ان تلك الطريق الساحلية انقسمت الى قسمين قسم تسيطر عليه الكتائب ويبدأ من بوابة رأس جدير وينتهي في زوارة وقسم ثان ما بين صبراطة والعاصمة طرابلس ويسيطر عليه الثوار والحقيقة ان هذا المشهد يتكرر في عديد المناطق الاخرى من ليبيا وحتى داخل العاصمة طرابلس فكتائب القذافي وحسب ما حصلت عليه «الشروق» من معلومات من مواطنين ليبيين كانوا قد عبروا بوابة راس جدير مازالت تسيطر على مدينة سرت وبلدة الهيشة شرق مصراطة وجزءا من البريڤة ومدينة سبها ومدينة غدامس على الحدود مع الجزائر وكذلك أجزاء عديدة من الصحراء الليبية على الحدود مع التشاد والنيجر والسودان انطلاقا من مدينة الكفرة الواقعة جنوب غرب راس لانوف وجدابيا. كما يواصل التلفزيون الرسمي الليبي اي قناة الجماهيرية بث برامجه وسط ذهول كبير لمئات الآلاف من الليبيين من سكان الجبل الغربي الذين لا يفهمون ما يحدث بالضبط في العاصمة طرابلس لتنتشر في الزنتان ونالوت وجادو وكباو التأويلات والاشاعات والتكذيب لذلك الخبر او ذاك ويبقى مصير العقيد معمر القذافي وأبنائه من أهم الأسئلة التي طرحها آلاف الليبيين غداة سقوط العاصمة طرابلس، فالجميع يتساءل عن الدوافع التي تقف وراء عدم نشر صور لعملية اعتقال سيف الاسلام القذافي ما دفع بالكثيرين الى عدم الأخذ بتلك الرواية مأخذ الجدّ وحتى تدخل محمد في قناة «الجزيرة» وهو الابن الأكبر لمعمر القذافي من زوجته الأولى لم يقنع الليبيين الذين يعرفون أن محمد القذافي ليس بالصيد الثمين نظرا للعزلة التي كان يعيش فيها وعدم اهتمامه أصلا بالسياسة، لذلك يعرف الليبيون وفي مقدمتهم الثوار أن محمد القذافي ليس مورّط في أفعال خطيرة مثل بقية إخوته من الأب. إلى ذلك بدأ بعض القلق يتملك العديد من المعارضين الليبيين بعد أن أصبح اختفاء معمر القذافي لغزا محيّرا ويعتقد العديد منهم أنه غادر العاصمة طرابلس باتجاه مكان ما في الصحراء صحبة العديد من قوّاته وقد يعلن الثورة المضادّة على ثورة 17 فيفري وهو أمر جائز بالنظر للأموال والذهب والمجوهرات التي يملكها القذافي وهي كافية لتمويل حركة مقاومة بأكملها. أمام هذه الأوضاع المتردّية والغموض الذي يحيط بالمشهدين السياسي والعسكري في ليبيا رفع الجيش التونسي من درجة استنفاره وأعاد نشر قوّاته شرق وغرب بوّابة راس جدير وعلى كامل الشريط الحدودي مع ليبيا تحسّبا لأي طارئ قد يحدث ويؤدي الى تسلّل مجموعات مسلحة الى تونس.