شرعت أصوات عديدة في دقّ ناقوس الخطر فيما يتعلق بدور القاعدة في الثورة الليبية ما فُهم منه أن يافطة مقاومة الارهاب قد تعلّق على أبواب طرابلس ما قد يشكّل تبريرا لارسال قوّات أممية لحفظ الأمن أو ذريعة ليقوم الناتو بعمليات انزال بحريّة تليها أخرى بريّة. حالة التأهب القصوى التي عليها وحدات الجيش التونسي لا تشمل فقط قوّاتنا المسلّحة بل كذلك وحدات الطب العسكري التي انتشرت على طوال الشريط الحدودي مع ليبيا على مسافة 270 كلم تستقبل الجرحى في مستشفيات تونسية ميدانية صُنعت في ثكنات الجيش الوطني تحت اشراف العميد السوسي أحد اكبر المختصين في الجراحة الحربية في العالم. ونحن في طريقنا الى زوارة زرنا القاعدة الطبية العسكرية بالشوشة وهي بمثابة قاعة للعمليات يتم منها التنسيق بين كافة الفرق الطبية العسكرية بذهيبة ورمادة وتطاوين ومدنين وقابس وكانت الشروق حاضرة لحظة وصول أوّل دفعة من المصابين من ليبيا عبر ذهيبة وتستقبل المستشفيات الميدانية للجيش التونسي ما بين 30 و50 جريحا يوميا يتم تثبيت حالاتهم من طرف الطبيب الجرّاح الرائد سليم كشلاف وتتكفل مروحيات جيشنا الباسل بنقل الحالات الخطيرة الى المستشفيات التونسية. وقد أفادنا العميد السوسي بأن تونس لم ترفض منذ بداية الحرب في ليبيا استقبال أي جريح مهما كان انتماؤه بل وفي بعض الأحيان وفّرت للاخوة الليبيين ما لم توفّره لمواطنيها داحضا بذلك إدّعاءات بعض المنظمات الانسانية التي تطلب من توسن فتح حدودها أمام الجرحى وكأن بحدودنا مع ليبيا كانت مغلقة. وقال العميد السوسي للشروق أن جنودنا البواسل وإطارتنا الطبية وشبه الطبية العسكرية لم تغادر الحدود منذ بداية الحرب في ليبيا لمد يد العون للاجئين الليبيين وإسعاف الجرحى ولم تبخل قوّاتنا المسلحة على كل الوافدين بالايواء ولا بالمساعدة المادية والمعنوية ولا بالمساندة الطبية وقال العميد السوسي أن الجيش التونسي تصرّف بحكمة ورصانة ومسؤولية وكانت القيادة المتمثلة في القائد العام للقوات المسلحة الجينرال رشيد عمار تحضن جنودنا البواسل وتؤازرهم في أصعب وأحلك اللحظات ومن الصعب ان يتحمل جيش في العالم ما تحمّله جيشنا الوطني بالنظر الى طبيعة الحرب في ليبيا والى علاقات الجوار والاخوة مع ليبيا. تركنا القيادة العسكرية الطبية تباشر مهامها لنواصل طريقنا الى المعبر الحدودي برأس جدير طمعا في المرور الى ليبيا بشكل قانوني لكن ظرفا طارئا أدّى الى تشنّج الاعصاب بيني وبين أحد الجنود المسؤولين على تأمين المدخل الرئيسي للبوابة دفع بي الى العودة من حيث أتيت. وبالنظر الى طبيعة الاوضاع والتصعيد الخطير للأحداث على بعد 45 كلم من البوّابة ومقتل أحد البحّارة التونسيين على يد الكتائب وهو يصطاد في المياه الاقليمية التونسية زيادة على الصوم وارتفاع درجات الحرارة ليس بوسعي الا ان اجد العذر لذلك الجندي مع اقتناعي التام بأن الصحافيين التونسيين ليسوا في حاجة الى تراخيص للعمل متى احترموا بعض القواعد وهذا نداء موجّه لوزارة الدفاع من أجل استثنائنا من تلك التراخيص. انطلقت السيارة في رحلة نحو المجهول وبعد ان تجاوزنا قرية المڤيسم الواقعة على بعد 30 كلم جنوب غرب بن قردان سلكنا طريقا صحراوية تؤدي الى قرية بوكمّاش أين تتمركز قوات الكتائب. كان السائق على دراية تامة بالطريق لذلك لم يكن بوسع أيّ أحد رؤيتنا على أن الخوف بدأ يتملّك الجميع ونحن نستمع من حين لآخر لدوّي المدافع والرصاص وما هي الا ساعة حتى أصبحنا على مشارف زوارة البعيدة 45 كلم عن رأس جدير. مدينة مدمّرة تحيط بها الكتائب من كل الجهات والدخول اليها يعني الموت رغم وجود شاحنات تتحرّك على الطريق باتجاه تونس وتسيطر الكتائب على بلدات العجيلات وجميل جنوب غرب مدينة الزاوية وهم مدعومون من القبائل التي تعيش في تلك المناطق لذلك يجد الثوار صعوبة في الوصول الى مدينة زوارة وزليطن وبوكمّاش ورأس جدير. ومن حين لآخر كنّا نستمع الى منبّهات سيارات الاسعاف تحمل الجرحى باتجاه رأس جدير ولا نعلم ان كان هناك سكّان لازالوا يعيشون في زوارة ام لا وهو أمر صعب بالنظر الى انقطاع التموين ومحاصرة الكتائب لها. الى ذلك وعند عودتنا الى رأس جدير علمنا ان مفاوضات تجري بوساطة تونسية بين الثلاثة عشر فردا من فرقة العسة بالبوّابة الليبية والثوار لتسليم المعبر دون اراقة دماء لكن وبالنظر الى ما شاهدناه في بوكمّاش وزليطن وزوارة والقصف العنيف للكتائب تصبح هذه المسألة صعبة جدا بل ومستحيلة. والحقيقة أن الأمور معقّدة جدا وغامضة الى حد أصبح فيه من الصعب تحديد عدد المجموعات المسلّحة وكميّات السلاح فالعثور على كلايشينكوف في ليبيا أسهل من العثور على الخبز في تونس لذلك قد يكون من الصعب السيطرة على المجموعات المسلّحة وارغامها على تسليم السلاح في وقت بدأ فيه الجميع يفهم ان الثورة الليبية قد يتم اختراقها من طرف مجموعات متطرّفة تريد ان تلعب دورا على الساحة السياسية الليبية والخوف كل الخوف أن يشكل ذلك ذريعة ومبررا لارسال بعثات أممية لحفظ الأمن أولتشجيع الحلف الاطلسي على القيام بعمليات انزال بحرية تليها أخرى بريّة ما قد يؤدي الى فتح الباب امام التدخل الاجنبي في ليبيا تحت غطاء مقاومة الارهاب. وزادت ظاهرة الانتقام الطين بلّة بعد تعمّد بعض المسلّحين قتل عناصر من كتائب القذافي جلّهم من المرتزقة بعد فرار قائدهم المكتفي الى حد الآن بالدعوة الى الجهاد عبر كلمات صوتيةلم تستطع قوّات الناتو ولا راداراته ولا استعلاماته تحديد مكانها ومن ثمّة الوصول الى معمّر القذافي.