تمرّ غدا ذكرى تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر التي أسقطت أبراجا مشيّدة وقتلت العشرات من الأبرياء في نيويورك. ومن المؤكد جدا أن عملا بشعا كهذه التفجيرات هو عمل مُدان ومرفوض لأنه لا يحلّ أي مشكلة بل يزيد مشاكل أخرى على تلك التي كانت. إننا ومن منطلق إنساني ندين أعمالا غير مسؤولة كهذه لأنها بقدر ما أودت بحياة أبرياء فإنها في الآن نفسه استغلت لقتل أبرياء آخرين، عوقبوا على عمل لم يقترفوه ولم تكن لهم فيه يد. إن أعمالا متطرفة مثل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر هي ميراث عالم لا عدل فيه، عالم تشعر فيه شعوب عديدة بالغبن، ومن هنا ليس بمستغرب حصول أعمال كهذه ورغم كل ما حملت من أذى إلا أن منفذيها قد فاتهم بأن عملهم هذا قد يتمّ استغلاله من قبل القوى الكبرى لمعاقبة بلدان وشعوب بأكملها رغم أن هذه الشعوب ليس بينها من أيّد أو دعّم عمليات التفجيرات هذه (حالة العراق قبل احتلاله مثلا). وإذا كان ما حصل في أفغانستان وإسقاط نظام طالبان فيها يعود الى دعم طالبان ل«القاعدة» وحمايتها وتوفير أماكن التواجد لها فوق أرضها فإن المستغرب هو امتداد عملية العقاب للعراق ومحاولة البحث عن أي صلة أو لقاء حتى لو كان بعيدا بين أي مسؤول عراقي ومسؤول من «القاعدة»، وظهرت إشاعات وجرى تضخيم البعض منها ولكن ظهر أن هذه كلها أوهام لا صحّة لها، وانه ليست هناك أي علاقة بين العراق وبين تنظيم «القاعدة»، ولكن القرار كان متخذا بغزو العراق وإسقاط النظام السياسي فيه ومن ثمّ إسقاط الدولة العراقية بأكملها وتمّ نهب البلد بحيث لم تسلم حتى أسرّة المرضى البائسة في المستشفيات الحكومية من سرقات الرّعاع. كل هذا كان مخططا له بدليل أنه وبعد كل الخراب تبيّن للجميع أن العراق لم تكن له أية علاقة بتنظيم «القاعدة» إطلاقا هذا اضافة الى انفضاح الكذبة الأسطورية عن أسلحة الدمار الشامل وتمّ تفويت فرصة أن يغيّر العراقيون بأنفسهم نظامهم السياسي بوسائلهم الخاصة لا باحتلال أجنبي. لكن الأخطر بعد أن تمّ الاحتلال واستيقظت الفتن النائمة تحولت بعض مناطق العراق الى ساحة مجابهة بين أمريكا وتنظيم «القاعدة»، فالعداء بينهما يزداد استحكاما، وتحولت بعض تنظيمات «القاعدة» وقادتها (أبو مصعب الزرقاوي مثلا) الى العراق كساحة مفتوحة للحرب بين «القاعدة» وأمريكا، وقد مرّت الأحداث وتابعناها، ورغم تنظيمات «الصحوة» المدعومة من أمريكا لمحاربة «القاعدة» إلا أن عمليات التفجيرات الانتحارية لم تتوقف الى حدّ الآن، وما أن تهدأ قليلا حتى تنفجر من جديد والضحايا دائما من العراقيين وأغلبهم أبرياء يسقطون مجانا في هكذا عمليات. لقد عرف العراق على امتداد تاريخه الحديث بأنه بلد متسامح، يتآخى فيه الجميع، أما الأحزاب التي كان لها دور قيادي في تاريخ البلد، فكلها أحزاب علمانية من الوطني الديمقراطي الى الاستقلال الى الشيوعي إلى البعث والحركات القومية سواء كانت العربية أم الكردية ليس فيها حركات دينية متطرفة! تمر ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر وكم كان الكثيرون يتمنون لو أن المشاكل المستعصية التي تجابه بلدان العالم الثالث قد حلت، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إذ أن ثمانية ملايين فلسطيني وأكثر تتم سرقة وتهويد أرضهم بالتدريج من قبل الغزاة الصهاينة وقطعان المستوطنين، وفوق هذا تمارس عليهم الضغوط حتى لا يتقدموا إلى مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. كان العالم يتوقع أن يرفع الغبن عن الشعوب وتعطى لها حقوقها بدلا من هذا الذي يجري حيث تعطى للمتطرفين فرصا أخرى لما يظنونه عقابا لمن يرونهم أعداء لهم. أسامة بن لادن قتل، ولكن طالبان مازالت تلحق الخسائر بقوات «الناتو» وتمدد تنظيم «القاعدة» إلى مناطق أخرى في العالم، الساحل الافريقي، المغرب العربي، الجزيرة العربية... الخ. ومع هذا كله نحن متفائلون بثورات الربيع العربي وباصرار الشعوب وعلى رأسها الشعب العربي الفلسطيني على نيل حقوقها، وعلى حدّ قول الرئيس أبو مازن بأن هناك دولا سكانها بضعة آلاف هي أعضاء في الأممالمتحدة بعد أن حصلت على استقلالها وراياتها ترفرف في واجهتها فكيف بشعب من ثمانية ملايين؟! ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر المدانة يجب أن تكون نداء للتضامن والعدل، لا الى الفوضى والانتقام وتدمير البلدان الراسخة في التاريخ كما حصل في العراق!!