حلّ رئيس الوزراء التركي أمس ضيفا على الاعلاميين في تونس، محطته الثانية في «رحلته الاستكشافية» الى دول ما يسمّى ب «الربيع العربي»... وهي المفردة التي أصرّ أردوغان ع لى استعمالها في كلمته ولكنه تجنّب الاجابة عن سؤال لماذا يزور دول «الربيع» هذه في هذا التوقيت... في فصل الخريف!! وألقى أردوغان في مقر الوزارة الاولى بالقصبة كلمة طغى عليها البعد الاقتصادي... لكنها لم تخل أيضا من «الطابع الارشادي» حيث تناول الملف الاقتصادي باسهاب... وخصّ قضايا الديمقراطية والحرية بالاقتضاب... لكنه «نجح» مع ذلك في إيصال رسائله الى أكثر من طرف في لغة بدت مؤثرة «بعض الشيء»... لكنها لم «تكشف» بوضوح عن «كلمة السرّ» التركية التي انتظرها كثيرون حول سبل استيعاب هذا «الحشد» من الحركات الاسلامية العربية في الدولة الحديثة. رئيس الوزراء التركي قال بهذا الخصوص إنه يحترم ارادة وحرية الشعب التونسي في اختيار ممثليه لكنه مع ذلك دعاه الى أن يظهر للعالم أن الديمقراطية والاسلام يمكن أن يتعايشا معا مثلما فعلت تركيا معتبرا أن «الشعب التونسي الذي قام بثورته دون الوقوع في حمام دم» قادر على ذلك. حريّة الاختيار وقال في ردّه عن سؤال الصحافيين حول موقفه من حركة النهضة «نحن نحترم الأفكار التونسية وكل أفكار الشعب التونسي ومن يفوز في انتخابات 23 أكتوبر سوف تكون علاقتنا به في أعلى المستويات». وأضاف «إذا أردت أن أعرف تركيا فسأقول انها دولة ديمقراطية اجتماعية علمانية وحقوقية» مشيرا الى أن الحزب الاسلامي يمكن ان يدير الدولة بكل نجاح ولكن الدولة العلمانية يجب ان تكون على مسافة واحدة بين كل الاطراف...». وتوقّف السيد رجب طيب أردوغان عند الثورة التونسية مشيرا الى أن الربيع العربي بدأ من تونس قبل أن يعمّ دولا أخرى وينتقل الى اليمن وليبيا ومصر وسوريا والبحرين... وأضاف «نحن نتمنّى ألا تأتي الثورات بالضحايا وبالدم وانما بالأفكار والقيم» معربا عن أمله في أن تنجح تونس في تجاوز هذه المرحلة في اجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية. وقال «إن الديمقراطية الاساسية هي تلك التي يتم فيها احترام افكار وآراء الشعوب ولا يجب ان تتيح الفرص للعبث واللعب بهذه القيم». وأوضح أن الديمقراطية يجب أن تتحقق من صناديق الاقتراع مبديا تفاؤله بأن تترجم الانتخابات التونسية ذلك مبديا تطلعه الى علاقات تركية تونسية أقوى بعد هذه الانتخابات. أما في الجانب الاقتصادي للزيارة فقد أكّد أردوغان أن بلاده ستعمل على رفع حجم التبادل التجاري بين تونس وتركيا والذي لا يتجاوز حاليا المليار دولار معتبرا أن هذا المستوى غير كاف. تعاون شامل وأعلن أردوغان ان بلاده ستحث المستثمرين الاتراك على القدوم الى تونس وستعمل على تطوير تعاونها معها في عديد الجالات لا سيما في مجال الصناعات العسكرية. كما عبّر عن استعداد بلاده لنقل تجربتها في المجال السياحي الى تونس مذكّرا في هذا الصدد بالمبادرة التركية عقب الثورة بارسالها نقابة السياحة الى تونس لبحث سبل دعم اقبال السواح الاتراك على الوجهة السياحية التونسية. وعبّر رئيس الوزراء التركي في هذا الصدد عن استغرابه من عدم وجود خط بحري بين البلدين رغم أنهما يطلاّن على البحر المتوسط مشيرا الى انشاء خطوط بحرية في المستقبل. وأكّد أردوغان ان بلاده تحترم خيار الشعب التونسي وستعمل على ان تكون لها علاقات جيدة مع تونس في كل المجالات معلنا في الوقت نفسه عن اطلاق مشروع «مولافا» لتبادل الطلاب بين البلدين. وأضاف «أنا أقدّر المصاعب التي عاشها التونسيون ولكن تونس وتركيا منسجمتان مع بعضهما البعض» مشيرا الى أن هناك علاقة قرابة بينهما... كما ذكّر في هذا الصدد بأن هناك قرية تركية اسمها تونس وذكّر أيضا بالتشابه الكبير بين العلمين التونسي والتركي. وفي ما يتعلق بملف الشرق الأوسط أكّد رئيس الوزراء التركي أن بلاده لا يمكنها أن تبقى مكتوفة الايدي إزاء الظلم الاسرائيلي مشيرا الى أن علاقة بلاده مع اسرائيل لن تكون طبيعية إذا لم تعتذر اسرائيل ولم تدفع التعويضات الى عوائل شهداء سفينة مرمرة... كما ذكّر في هذا الاطار بالاجراءات التي اتخذتها تركيا في هذا الشأن... وأكّد أن تركيا سوف تؤمّن حماية سفنها في المتوسط وأن اسرائيل سوف لن يكون في وسعها أن تفعل ما تشاء في البحر المتوسط. وأضاف «سترون سفنا حربية تركية في هذا البحر». تأكيدات السبسي من جانبه رحّب الوزير الاول الباجي قائد السبسي في كلمته المقتضبة بنظيره التركي الذي يزور تونس كمال قال «في ظروف خاصة تشهد فيها المنطقة عدة تجاذبات تدفعنا للتشاور والتحاور والنظر الى المستقبل». وأشار الى أنه تشاور مع أردوغان حول مواضيع عديدة وأنه سجّل بكل ارتياح الالتقاء مع ضيفه حول عدّة مواضيع مؤكّدا أن تركيا وتونس مع الديمقراطية ومع كرامة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها. وشدّد السبسي على إلتزام تونس الدائم بدعم القضية الفلسطينية ومنظّمة التحرير الفلسطينية مذكّرا بمواقفها التاريخية في هذا الشأن قائلا «إن تونس كانت من أول البلدان التي عملت على صيانة حق الشعب الفلسطيني منذ اعلان القرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947». وأشار الى أن المشاورات مع أردوغان تناولت علاقة الدين بالدولة حيث تم التأكيد على أنه لا تناقض بين الاسلام والديمقراطية موضّحا ما برز من تطابق بين الجانبين بخصوص محاربة التطرّف مهما كان مصدره.