كيف يقضي الرؤساء العرب ايامهم في هذه الفترة بل قل رمضان لا بل عيد الفطر، لا أشك في أنهم جميعا في وضع لا يحسدون عليه اليوم وغدا أما عن الملوك فلا تسأل. هم لاشك يرحبون حسن العاقبة فعل بأي تونس في احد مسارح فرنسا وهو يشاهد مسرحية تدعو للحرية. هي أيام من القيامة بين الغصرات والحسرات، والحسرات تعقبهن الزفرات وانما كذلك ترى الشعوب قدراتها في الأرض، ولا يأكل الانسان الا مما يزرع وليس للانسان الا ما سعى، أم هي أيام الرؤساء طرّا من أيام العرب القديمة وقد تصبح تقويما جديدا فيقال قبل سنة الرؤساء العرب ق.ر.ع وبعد سنة الرؤساء العرب ب.ر.ع كل يتلظى بسعيره، ولا ادري ان كانوا على ما أتوا من النادمين، هم الآن في البئيس الا بأس وليس أبأس من أيام يفر فيها المرء من بنيه وامه وابيه وصاحبته وأخيه بل وطنه الى حيث لا تسعه الأوطان جزاء بما فعلوا. فهل فكر أحد ما بعد «خراب البصرة» ان الاستقواء بالاجنبي كحبل الكذب قصير وأن من سياسة التدبير محبة الشعب وحسن تسيير شؤونه والقيام على جوعه وعطشه ومسكنه ولباسه فإرساء العدل والخير وحب الحياة فيه أكبر ضمان لانتخابه واستقراره حتى لا يبيتن رئيس أو مرؤوس في غير وطنه مذموما مدحورا. فاما الذي هم فيه فبقوة الشعوب حين تغضب، وارادتها الصلبة حين تفك القيود والاصفاد وتضحياتها حين تنشئ العزم، لا ترهبها قوة ولا ينتصر عليها سلاح، فحين تتنادى افئدتها وتتشابك اياديها وتتعانق اصواتها بالحرية زخما ثوريا، لا يردها عن قدر انتصارها راد. وأما الذي في الشعوب منهم فغل دفين وحق على الظلم والظالمين، وكبت حريات انفجر كطمي الوادي وفقر وبطالة وغلاء معيشة، وانسداد آفاق. قد يكون ذلك كذلك ولكن ألا يكون الزمر قد دبر لهم بليل؟ لا شك في أن الكثير من شعوب العالم ومن العرب والمسلمين بالذات من يكره أمريكا كما يكره المسلم أن يلقى في النار، وبقطع النظر عن أن كل ذي نعمة محسود فإن امريكا هي التي تضع الموازين وتكيل العالم بمكيالين وهي التي ضربت عرض الحائط بقضايا قومية وهمم أمم، وهي التي انشأت هذه الديكتاتوريات وثبتت دعائمها وغلبتها على شعوبها وقطعت الرجاء في كل تغيير قد يحيد عن سياسة الاحتواء والتطبيع والزمن من التطرف حتى بدا هؤلاء الرؤساء كخيال المآتي يفزع منه كل مجنح الى ان جثم الهلع والخوف على صدور العباد فكلما خيل الشر عليهم كلما ران على قلوبهم غم وغيظ وحنق على الشيطان الذي انبت هذا الزرع، زرع لعله كان سيء البذر، نما وطالب حتى جف ثم سقط واستخلف خلفا مستفزا. ولقد اقتضى هذا الكره المستشري والخوف من الآتي استباق نقمة هذه الشعوب وويلات تطورها بشن حروب وقصف أعناق فعل الفرعون في التاريخ حين قتل الأطفال ولم ينج الا موسى. كما اقتضى موازاة لهذا العنف تغيير السياسة باستمالة هذه الشعوب التي تحتويها بتحريرها من هذا الظلم الذي لم تعرف الخلاص منه، وقد فاح اثما، فكان لابد من قادح أو فتيل أو مهماز تحول. والحرب مبدؤها كلام مطالب اجتماعية فنقابية وسياسية ففوضى وانعدام أمن فخلط أوراق ونظام جديد يحل محل البائد. وربما قطعت هذه الشعوب مع نظام الى نظام مثله. أيكون من أمريكا ان تقلب ظهر المجن! ان تقلب الطاولة كما يقال على هؤلاء الرؤساء ولمن انتهت بهم الطريق وصاروا عائقا وعبئا على سياستها؟ كل ذلك ممكن فالمال وفير والجلبيون كثر وفي الاعلام الناطق بالعربية خير كثير، ينطق بما يشاء ويصدقه الطيبون أمثالي ويتنادى له كل ذي طلب، جمعة وراء جمعة ومظاهرات لا تنتهي وأخبارها لا تنقطع وعلى المظاهرين العاطلين المن والسلوى الخبز والسلاح ولا مناص من الحرية حرية «سلمية» تجز رأس النظام واتباعه. اضراب فاعتصام واعتصام فاضراب وبكثير من الفوضى يطلب المسترزقون للشعوب المقهورة مد يد المساعدة وان وراء المساعدة ما وراءها، والحال ان بالحرية نحصل على الخبز وليس بالخبز نحصل على الحرية، وليس بالخبز وحده يحيا الانسان. نعم نحن في حاجة الى الحرية كحاجتنا الى العدل والحق والخير والجمال والعيش الكريم ولكن بيد تصنع لا بيد تدفع نحن في حاجة الى الغرب الذي يدفع الى التقدم لا الى الغرب الاستعماري البغيض. ففي الغرب علم ومعرفة وحضارة بشرية عظيمة نحن مدعوون الى الأخذ بها لتحسين مستوى عيش شعوبنا ثقافة انسانية ووسائل حضارية عسى ان نساهم من جديد في بناء انسان الغد ولنحذر متطرفي الغرب مما يكيدون لنا بصلفهم وعنصريتهم وتفوقهم وطبع الاستغلال البشع لمقدرات الشعوب الضعيفة. هم يرون أن في البلاد العربية مصالح غربية وأمريكية بالذات لابد من المحافظة عليها وتدعيمها وفي البلاد العربية اسرائيل لابد من حمايتها والنظام العالمي باب كل الناس داخله، فلا رئيس ولا حدود، وان غدا لشركاتهم الكبرى العالمية فهي وحدها التي تقرر ما ينبغي ان يكون وبيد من يكون هكذا يفكر الغرب كله تحرير العقول وتحرير الاذهان والأيدي والابدان من أجل انتاج تقدمه. ونحن كذلك لنا مصالح علينا ان نحافظ عليها ونشد عليها بالنواجذ والسواعد وصم الحجارة، لنا أمة وشباب له الغد لابد له من عيش كريم شريف في ارضه ووطنه الحرية هي الصناعة والتجارة وخلق مواطن الشغل، هي الكرامة التي لا يكون الانسان انسانا الا بها، هي الشرف والمنعة. لذلك لا ينبغي ان يقف حد الحرية عند معنى التخلص من الطاغوت والظلم والنظام الفاسد وكفى فاذا تحقق ذلك بلغنا النعيم، كما لا ينبغي ان تفهم على انها تجاوز لكل القوانين والضوابط حتى كأنها حرية الحيوان في الغاب يفعل ما شاء متى شاء وكيفما شاء. بقلم: الاستاذ حبيب الحميدي