شرح الخبير الروسي أندريه سيتبانوف في لقاء خاص مع «الشروق» عبر الهاتف من موسكو موقف بلاده من الأزمة السورية محذرا في هذا الصدد من تكرار السيناريو الليبي في سوريا. رأي المحلّل السياسي الروسي والخبير في الشؤون الاستراتيجية بموسكو أندريه سيتبانوف أن سوريا مهدّدة بحرب أهلية في حال لم يتم اللجوء الى الحوار والتوافق ووقف إراقة الدماء. بداية، ماهو تقييمكم وتوصيفكم لطبيعة الأزمة السورية ولمآلاتها... وماهي رؤيتكم وتصوّراتكم لآفاق الحلّ السياسي في ضوء ما يجري على الأرض من اضطرابات دموية؟ أعتقد أن الوضع متأزم وخطير جدّا وأظنّ أنه على السلطات السورية انتزاع المبادرة السياسية وايجاد مخرج من الوضع الراهن من خلال وضع حدّ لسفك الدماء وسحب القوات من المدن المنتفضة وبدء حوار جاد مع بعض الأذكياء من المعارضة بخصوص تشكيل حكومة وفاق وطني تتولى في ما بعد الاشراف على الانتخابات في المجلس التشريعي... لكن المشكلة باعتقادي أن المعارضة تتألف من قسمين... القسم الأول هو الحركة العفوية ضد العنف من قبل السلطات السورية وهناك تيار آخر من المعارضة يتكون خصوصا من المنشقين... وهذه ليست جوهر المعارضة... وجوهر المعارضة هو التيار ذو الصبغة الاسلامية وهذا التيار هو الذي يقود في اعتقادي المعارضة. استقبلتم في موسكو منذ أيام قليلة ممثلين عن المعارضة السورية رغم أن الموقف الرسمي الروسي المعلن لايزال دائما لنظام الأسد... فماهي حقيقة الرؤية الروسية للأزمة السورية... وهل أننا هنا بصدد وساطة روسية في الملف السوري أم أن الموقف يتعدى ذلك؟ الموقف الروسي مهم... وهو موقف يعمل على إنهاء الانقسام في المجتمع السوري ومنع اندلاع حرب أهلية... كما أن روسيا تعمل على إعادة بناء الجسور بين السلطة والمعارضة... وقد أكدت استعدادها للعب دور الوسيط بين الطرفين... وهذا في رأيي موقف ذكي وإيجابي لأنه يهدف الى وقف إراقة الدماء وعدم السماح بتدخل خارجي والحؤول دون تكرار الكارثة الليبية واستئناف الحوار بين السلطة المعارضة. هل نفهم من كلامكم أن موسكو تحاول من خلال موقفها هذا التكفير عن خطئها في ليبيا؟ أنا أظن أنّ هناك موقفا مختلفا في سوريا وروسيا لن تسمح بالتدخل الخارجي وهذا الاحتمال في رأيي مستبعد بل أكاد أقول إنه مستحيل في حالة سوريا. ولكن مثل هذا الموقف عبرت عنه موسكو حيال الملف الليبي في السابق ولكنها في النهاية وقفت موقف المتفرج حيال التدخل الخارجي في ليبيا؟ في ليبيا كان هناك الأمر الواقع اضطرت معه روسيا الى الاعتراف به في النهاية لأنه لا يمكن لروسيا أن تأتي ضد الأمر «الواقع الليبي» الذي فُرض على الجميع. ولكن ألا تخشون هنا من أن يتحول الموقف في سوريا أيضا إلى «أمر واقع»... كالملف الليبي؟ لا... لا أظن ذلك، لأنني أعتقد أن الحلف الأطلسي قد فضح نفسه في المغامرة الليبية وهو الآن يتورط شيئا فشيئا في المستنقع الليبي. ثمّة من يعزو الموقف الروسي المؤيد لنظام الأسد الى العلاقات الاستراتيجية والعسكرية القوية التي تربط موسكوودمشق... فإلى أي مدى تعتبرون أن مثل هذا الأمر يشكل بالفعل السبب الأكثر منطقية خلف دعم روسيا المستميت للنظام السوري؟ روسيا ساعدت دمشق في مجال التسلح لموازنة الجبروت الاسرائيلي وللدفاع عن نفسها في مواجهة العدوان الاسرائيلي ولكن ماهو مؤكد الآن أن عملية تصدير السلاح الى سوريا توقفت منذ اندلاع الاحتجاجات. بعد أن «باركت» موسكو نجاح الثورة الليبية على مضض وبشيء من التردّد والتأخير... كيف ستتعاطى اليوم مع مرحلة ما بعد القذافي برأيك... وكيف تنظرون من جهتكم الى هذه المرحلة؟ أعتقد أن التسوية في ليبيا اليوم لاتزال بعيدة المنال رغم اسقاط نظام القذافي... وأظن أن العمليات الحربية ستستمر لفترة معينة لأن قوات المجلس الانتقالي أحرزت نجاحات عسكرية بمساعدة حلف «الناتو» وبالاشتراك مع القوات الصاعقة ل«الناتو» ودون «الناتو» لا أتصور حقيقة أنها ستنجح في فرض قوتها وفي حسم المعركة بشكل نهائي بل إنني أتصور هنا أن أنصار القذافي سيواصلون المقاومة... لكن ما أقوله هنا اليوم أنّ هناك فترة انتقالية والمجلس الانتقالي وعد بتشكيل حكومة وإعادة تعمير البلاد وأظن أن هناك دمارا شاملا بكل أسس ومقوّمات الدولة وبالتالي يجب البدء من الصفر. وهذه العملية ستستغرق وقتا بين نصف السنة وسنة لأنه لا يمكن إجراء انتخابات حاليا لأنه لا توجد أحزاب في ليبيا وبالتالي كل سيصوّت لقبيلته وهذه ليست ديمقراطية بل هي ديمقراطية عشائرية وقبلية... وهذه أيضا عملية صعبة وشاقة... وأظن أن هناك ضرورة لتقديم مساعدة من الخارج يجب أن تقدم الى ليبيا خاصة في الظرف الراهن. ماهو الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا على هذا المستوى؟ روسيا اعترفت بالمجلس الانتقالي الليبي.. وهي مستعدة للاستمرار في التعاون الاقتصادي لأن المجلس الانتقالي قال إنه ليست هناك حاجة الى موارد عسكرية وطبعا روسيا باعت على الهامش شحنات البترول للمجلس الانتقالي... وأظن أن لغة الحوار بين الجانبين توحي بأن هناك ما يدعو للتفاؤل للمضي إلى الأمام. من الملاحظ أن الموقف الروسي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أثار بدوره الكثير من التساؤلات بحيث بدا وكأن موسكو مهتمة بالإمساك بالعصا من الوسط أكثر من اهتمامها بلعب دور مؤثر في حلّ هذه القضية... السؤال هنا أي دور يمكن أن تلعبه موسكو على هذا المسار خاصة عشية ذهاب الطرف الفلسطيني لطلب العضوية الكاملة في الأممالمتحدة؟ ماهو معروف ومحسوم أنّ روسيا لاتزال تؤيد بكل قوتها القضية الفلسطينية العادلة وستصوت للعضوية الكاملة للدولة الفلسطينية المستقلة... لأن هذه القضية عادلة وروسيا لا يمكن أن تقف ضد الحق الفلسطيني ولكن ما أخشاه في الحقيقة أن اسرائيل يمكن أن تقدم على مغامرة عسكرية جديدة. وذلك بهدف الخروج من عزلتها وإثارة الفوضى في المنطقة لصرف الأنظار عن المسعى الفلسطيني الى الحصول على العضوية الكاملة في الأممالمتحدة... وطبعا.. أنا قناعتي أن الخطر الاسرائيلي هو أكبر شيء يتهدد المنطقة اليوم.