أيّة حلول تبدو اليوم في المتناول حتى تخطو تونس خطوات هامة نحو القضاء على كل مظاهر الرشوة والفساد المالي والاداري وتقطع الطريق أمام بقايا رموز الفساد في النظام السابق ورموز الفساد المنتظر قدومهم في المستقبل؟ هل الحل في وضع إطار قانوني صارم ومتشدد لمعاقبة المفسدين والمرتشين؟ أم في وضع هيكل قار مهمته مكافحة الظاهرة؟ أم في القيام بإصلاح شامل يهم السياسة والاقتصاد وعالم المال والأعمال والمجتمع..؟ هل من الضروري التعجيل اليوم بالاقدام على هذه الخطوات؟ أم من الأفضل التريث وإعداد خطة متكاملة وبتأنّ، حتى وإن تطلّب ذلك وقتا أطول؟ تساؤلات عديدة طرحتها «الشروق» على عدد من الخبراء الدوليين والتونسيين في مجال مكافحة الرشوة والفساد فتراوحت إجاباتهم.. عبد الفتاح عمر (رئيس لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة): أعددنا مشروع مرسوم لمكافحة الظاهرة... وننتظر موقف الحكومة مقاومتنا للفساد والرشوة تدفعنا اليها عدة عوامل أهمها التجربة المريرة التي عاشتها بلادنا مع هذه الظاهرة طيلة السنوات الماضية وكذلك ضرورة احترام تونس لتعهداتها الدولية ومنها اتفاقية الأممالمتحدة 2003 التي صادقنا عليها في 2008 والأخذ بتوجهاتها ومبادئها. فعمل لجنتنا لن يتواصل كثيرا في المستقبل وهو لا يهم سوى أعمال الفساد بين 7 نوفمبر 1987 و14 جانفي 2011، وبالتالي الحاجة أكيدة اليوم لارساء نظام ثابت ونهائي لمقاومة الظاهرة. وفي إطار مهام اللجنة أعددنا مشروع مرسوم متكامل لضبط استراتيجية مقاومة الفساد والرشوة وتضمن المشروع أيضا نصوصا قانونية خاصة بإحداث هيكل قار لمقاومة الظاهرة، وقد قدمنا المشروع للحكومة منذ حوالي 4 أسابيع بعد أخذ آراء عدة أطراف معنية بالموضوع.. ومازلنا ننتظر الى الآن اصدار هذا المرسوم الذي نعتقد انه من النوع الرفيع الذي نعتبره ضروريا وحان وقته الآن... واعتقد ان بعض التصورات القطاعية الضيقة، وكم هي موجودة) هي التي تعرقل إصدار المرسوم ونتمنى ان يزول ذلك... صحيح هناك اعمال رقابة هامة تقوم بها هيئات الرقابة الحالية لكن نشاطها قطاعي ولابد ان يندرج ضمن تصوّر شامل يخدم الصالح العام.. تونس تألمت كثيرا من هذه الظاهرة في الماضي (الصراعات) وآن الأوان للحد منها. وأؤكد انه على السلطة السياسية تحمل المسؤولية كاملة تجاه مشروع المرسوم المذكور، إما بإصداره او تعديله خاصة بعدما أشار الى هذه الضرورة رئيس الجمهورية المؤقت في كلمة ألقاها مؤخرا وبندوة دولية بالحمامات. محمد بلحسين (ممثل برنامج الأممالمتحدة الإنمائي في تونس): تغيير ثقافي في المجتمع بعد الثورة، تونس اليوم في حاجة الى بعث اطار ونظرة شاملة واستراتيجية عامة لمقاومة الفساد والرشوة تكون من ناحية وقائية للمستقبل ومن ناحية أخرى تقاوم الظاهرة في الحاضر. هذه النظرة يجب ان تكون توافقية يشارك فيها كل أطراف المجتمع.. ولكن هذا غير كاف أيضا، اذ لا بد من تغيير ثقافي في المجتمع يبدأ من المدرسة لتعويد الطفل على المحافظة على الثروات الطبيعية وعلى انه معرض للعقاب اذا ما أضرّ بها أو سرقها. كذلك لابد من تشجيع اقامة السلط المضادة (Les contre-pouvoirs) على غرار مكونات المجتمع المدني. وبذلك يمكن على الأقل النجاح في الحد من الظاهرة لأن القضاء عليها نهائيا غير ممكن (صفر رشوة وفساد غير موجودة) حتى في الدول المتقدمة. ونحن في برنامج الأممالمتحدة الانمائي على استعداد لتقديم المساعدة لتونس في كل خطواتها. أحمد صقر عاشور (خبير لدى الأممالمتحدة في مكافحة الفساد): منع احتكار البعض للسياسة وللاقتصاد ما من شكّ أن الجزء الأكبر من الفساد في تونس كان خلال السنوات الماضية سياسيا بالأساس وهو ما سهّل الطريق أمام الفساد المالي.. وهو ما يدعو تونس اليوم الى البدء بوضع ضوابط للعمل السياسي تضمن الديمقراطية وعدم استئثار فئة سياسية معينة أو أشخاص بمزايا السلطة بما يمكنهم من الفساد بسهولة (وهو ما كان يحصل مثلا مع حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ومع بعض الوزراء المقربين أكثر من غيرهم من بن علي وعائلته). كذلك لا بد من اصلاح تشريعي للقوانين التونسية القائمة حاليا في مجال مكافحة الرشوة والفساد والتي تحتوي عدة ثغرات تتيح الفساد، وهو اصلاح يضمن شفافية العمل الاداري والسياسي وشفافية ضبط الموازنات والممارسات المالية للحكومة وتضمن حماية الشهود والمبلّغين عن الفساد وكذلك العقاب الصارم للمجرمين.. الى غير ذلك. أيضا لا بدّ من اصلاح اقتصادي يشمل الساحة المالية والاقتصادية والعمل البنكي وسوق الأوراق المالية والنشاط الاقتصادي الخاص، وذلك حتى لا تتركز القوى الاقتصادية مرة أخرى بين أيادي فئة معينة تحصل دون غيرها على امتيازات الدولة وتقضي على المنافسة بكل الطرق. وبعد كل هذا يمكن المرور الى إرساء منظومة متكاملة للفساد والرشوة تشمل وضع قانون خاص وهيكل خاص للسهر على تطبيق ذلك القانون. ناجي البكوش (أستاذ قانون وعضو لجنة الفساد والرشوة): رفع أجور العاملين في «بوّابات»: الرشوة والفساد القضاء على الفساد والرشوة يمر حتما عبر اصلاح تشريعي وعبر بعث هيكل رقابة يعمل مع الهياكل الرقابية الحالية.. لكن لابد أيضا أن يرافق كل ذلك تنفيذ صارم من الدولة لكل التوصيات الواردة باتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الرشوة والفساد الصادرة في 2003 والتي صادقت عليها تونس في 2008.. لابد من اصلاحات تشمل طرق تعيين المسؤولين بالادارة وبالمواقع الحسّاسة للدولة حتى لا يُعيّن فيها الفاسدون والمرتشون او المقرّبون من جهاز الحكم. وأرى ان النقطة الأهم في هذا كله هي ضرورة الرفع من رواتب أعوان الدولة في المراكز التي تعتبر بوابة للفساد والرشوة (مثل الديوانة والأمن والقضاء والمراقبة الجبائية والاقتصادية والتراتيب البلدية). محيي الدين التوق (خبير دولي في مقاومة الرشوة والفساد): لا بدّ من رغبة سياسية في مكافحة الظاهرة رغم أهمية إحداث هيكل قار لمقاومة الفساد والرشوة، أعتقد أنه لا بد بالتوازي مع ذلك من استراتيجية شاملة وسياسات منسّقة ضمن إطار سياسي كامل.. مقاومة الفساد والرشوة هو حلقة متكاملة أثبتت التجربة ضرورة توفرها بلا نقصان على غرار الادارة السياسية الواضحة والقوية والفعالة للدولة ورغبة الدولة في مكافحة الظاهرة ونظم العمال المحددة والواضحة وإجراءات التنفيذ السليم لتلك السياسات.. أعتقد أن التعاون مع أجهزة انفاذ القانون ضروري للغاية لكن أيضا لا بدّ من تشريك المجتمع المدني في الاعداد للاستراتيجية الرقابية أولا ثم في اعطائه دورا بارزا في ما بعد للمراقبة والمراجعة المستمرة للاستراتيجية ثانيا. أركان السبلاني (مدير مكافحة الرشوة بصندوق الأممالمتحدة للتنمية): مشاركة الرقابة والشرطة والقضاء حسب ما أثبتته التجارب العالمية لمكافحة الرشوة والفساد، فإن الاصلاح في هذا المجال لابد أن يكون في إطار تصور كامل وشامل يقع وضعه بالتنسيق والحوار مع كل الأطراف خاصة مع المؤسسات الرقابية الموجودة حاليا بالدولة على غرار جهاز الرقابة المالية ودائرة المحاسبات والمحكمة الادارية ومؤسسات تنفيذ القانون مثل الأمن والنيابة العمومية والقضاء والتي لا يجوز غضّ الطرف عنها.. فإحداث هيكل خاص لمراقبة الفساد وتنقيح القوانين والاصلاح السياسي أمور غير كافية لوحدها.. فعدّة دول بأوروبا الشرقية وبإفريقيا وكذلك دول عربية استعجلت إنشاء هيئات رقابة للفساد والرشوة دون التفكير في هذا التنسيق مع الهياكل الرقابية الموجودة ودون رؤية شاملة ففشلت تجربتها.. فموضوع الرشوة والفساد تتقاطع فيه كل الأجهزة الرقابية للدولة ولا يمكن لجهاز واحد أن يتصرّف فيه بمفرده لذلك لا بدّ من التريث.