طريق الشاطئ بروّاد من ولاية أريانة أو كما يطلق عليه متساكنو الجهة شهد مؤخرا حادث مرور فظيع أودى بحياة شابين في ريعان الشباب. هذا الطريق «الملعون» كانت لنا فيه زيارة ميدانية إبان وفاة رامي ومالك الدالي كما جمعنا لقاء بعائلتي الهالكين. فور وصولنا إلى الحي الذي يقع فيه منزل الهالك الأول رامي شعرنا بالحزن يخيّم على كامل سكانه وكل من اعترضنا أعرب لنا عن أسفه الشديد لفقدان رامي.وصلنا إلى المنزل المحدّد وهناك طلبنا مقابلة أم الهالك. دقائق واستقبلتنا السيدة حسنية الدالي وبنبرة ممزوجة بالحزن والحسرة طلبت منا الدخول وقبل أن نبدأ حديثنا. انتابتها موجة من البكاء ثم تمالكت نفسها وقالت: «فقدت كل ما أملك، هو ابني الوحيد» وبسؤالنا عن ملابسات الواقعة أضافت الأم الملتاعة قائلة: «يبلغ ابني رامي من العمر 16 سنة انقطع عن الدراسة بصفة مبكّرة لظروف خاصة ثم التحق باحدى مدارس التكوين المهني لينتهي به المطاف الى صانع في صناعة الألمنيوم بمحلّ قريبه وهو الهالك الثاني مالك». وهنا صمتت محدثتي برهة لتسترد أنفاسها بعد أن خنقتها العبرات ثم واصلت حديثها «ليلة الواقعة كان ابني بمعيّة ابن عمه مالك في طريقهما الى العودة الى المنزل بعد أن كانا بمنزل أحد الحرفاء لانهاء بعض الأشغال له وكانا يمتطيان دراجة نارية وعلى بعد أمتار من محل عملهما اعترضت سبيلهما فجأة حافلة نقل عمومية كانت في طريقها الى الشاطئ واصطدمت بالدراجة وألقت بهما أرضا ليلقى مالك حتفه على عين المكان ثم توفي ابني رامي قبل الوصول به الى مستشفى المنجي سليم بأريانة. وأكدت في النهاية دماثة أخلاق الهالكين وحسن معاملتهما مع سكان الجهة.تكهن بالموتتواصل السيدة حسنية حديثها عن ابنها بكل لوعة وقالت «ابني تكهن بموته ثم شعر بنهاية حياته» وأضافت موضحة: «قبل يوم من حدوث الحادث الشنيع اشترى ابني بدلة رياضية جديدة وبدا سعيدا بها وأكثر يومها من ممازحتي وتقبيلي ثم قال لي «ما ندريش أمي يمكن نموت غدوة» وغادر المنزل.وفي نهاية لقائنا بأم رامي أوضحت لنا السيدة حسنية أنها ليست الأم الحقيقية للهالك، بل هي زوجة عمه، لكن هي من سهر على تربيته ورعايته منذ ولادته.غادرنا اثرها منزل الهالك رامي لننتقل الى منزل قريبه الهالك مالك الدالي، تاركين الأم حسنية تذرف دموعها.كان يستعد للزفاف ولكن...مشهد مشابه للمشهد الأول، حزن وحسرة وبكاء... هكذا وجدنا بعض أفراد عائلة الهالك الثاني مالك الدالي ممن التقيناهم. دخلنا المنزل. كل شيء يوحي بحدوث مأساة. توجهنا مباشرة إلى والدة الضحية السيدة خيرة التي لم تبد مانعا في الحديث إلينا رغم الحالة النفسية والجسدية التي كانت عليها. هدّأت من روعها وكفكفت دموعها ورحبت بنا وقبل أن نبادرها بالسؤال قالت وبكل تلقائية «أطالب بمحاسبة الجاني لأنه قتل فلذة كبدي، سرق مني نور عيوني». ثم تصمت وتقبل صورة ابنها وتعود الى الحديث: «ابني كان يستعد للاحتفال بزفافه، لكن الموت كان أسرع».وفي الأثناء تدخلت احدى أقارب الهالك وأعربت عن استيائها من تأخر تدخل وحدات الأمن المختصة حيث بقيت جثة الهالك قرابة الثلاث ساعات على قارعة الطريق وهو مازاد في تأجيج نار اللوعة والغضب معا باعتبار قرب منزل الهالك من مكان الواقعة.سرعة... فمجاوزة... فموتأجمع كل من التقيناه سواء من أفراد عائلتي الهالكين أو بعض شهود العيان أن السبب الرئيسي لحدوث مثل هذا الحادث هو السرعة الجنونية التي كان يقود بها سائق الحافلة وأضافوا أن السائق أراد المجاوزة على سيارة كانت تسير أمام الحافلة، وهو ما تسبب في الاصطدام مباشرة بالدراجة النارية التي كان عليها الهالكان ووجهوا بالمناسبة نداء إلى سائقي النقل العمومي حتى يلزموا الحذر أكثر.طريق الموتهكذا وصف المتساكنون طريق رواد الذي شهد حوادث مماثلة لحادث «رامي ومالك» جرّاء غياب الكهرباء العمومي مما يجعل الطريق يسودها الظلام وهو ما اعتبروه تقصيرا من السلطات المعنية رغم أن الطريق يشهد حركة كبيرة خاصة من قبل التلاميذ باعتبار وجود مدرسة ومعهد ثانوي بالمكان وهو ما عايناه فعلا.واعتبروا أن هذه الطريق أصبحت تمثل بالنسبة إليهم مصدر شؤم وتساءلوا بكل جدية عن موعد عودة الأشغال إليها والتي توقفت قبل الثورة ويجهلون الأسباب الكامنة وراء ذلك خاصة أن الأمر أصبح يهدّد أمن أولادهم بالدرجة الأولى.وللاشارة، فقد لاحظنا ونحن في طريقنا الى منزلي الهالكين غياب أعمدة الكهرباء العمومي وتبقى هذه مجرد ملاحظة نرجو من خلالها التوجه الى السلطات المعنية كي تهتم بالأمر وحتى نتفادى الحوادث المرورية المنجرة عن ذلك.