بناءات منتصبة بسرعة البرق في أراضي خاصة أو عامة... وجدران التهمت قارعة الطريق، إذ لم يكن الطريق نفسه.. ومنشآت «تمرّدت» على الرخص والقوانين مغتنمة فترة «الثورة» للتعبير عن «حسن نية» عن الحق في السكن والتوسع والحصول على ملكية ولو بقانون الغاب. تلك هي صورة العديد من الأحياء والشوارع التونسية بعد الثورة... صورة أجهضت حلم بناء دولة العدالة والقانون... وشوّهت المثال العمراني. أما «الشروق» ففتحت ملف البناء الفوضوي بكل دهاليزه. بداية التحقيق كانت في منطقة البلفيدير.. حيث انتصبت بعض البناءات الفوضوية التي شوّهت صورة المنطقة الخضراء وتحدثت إلينا السيد آمنة الشرفي من جمعية أحباء البلفيدير عن الصراع الذي تقوم به الجمعية من أجل الحفاظ على حق المواطن في مناطق خضراء. وفي هذا المثال كانت جمعية أحباء البلفيدير سببا في رفع قضايا لازالة البناء الفوضوي في منطقة البلفيدير... منطقة كان الطرابلسية سيحوّلونها الى منتجع ويحوّلون صبغتها الخضراء الى منطقة عمرانية واستثمارية... لكن وإن أجهضت الثورة الحلم الاستثماري لهؤلاء، فإن أطماعا جديدة نشأت عند غيرهم للتوسع بطريقة غير قانونية في المنطقة الخضراء... أما مصادرنا من جمعية أحباء البلفيدير فهم في انتظار تطبيق قرار الهدم ليكون عبرة لمن يعتبر. أما السيد منير مجدوب الخبير البيئي، فقد ذكر أن هناك تحرّكات لمقاومة ظاهرة البناء الفوضوي التي أضرت بالمناطق الخضراء والغابات، لكن تطويق هذه الظاهرة يبقى ضعيفا أمام ضعف الامكانات ووجود أولويات أخرى. كما أشار الى تقاعس الأحزاب في التطرق لهذه الظواهر. «الفايس بوك» يحتج!! الطريف هو أن عددا من صفحات «الفايس بوك» تطوعت لمقاومة ظاهرة البناء والانتصاب الفوضوي في تونس راصدة صورا من الاعتداء على القانون وحرية الآخرين رافعين شعار «تنتهي حرّيتك عندما تبدأ حرية غيرك». الواضح أن «غول» البناء الفوضوي قد طال جلّ الولاياتالتونسية... في نابل وقليبية وولاية أريانة وبنزرت وغيرها من المدن والولايات... وتزامنا مع ارتفاع أبنية الانتصاب الفوضوي ارتفعت صيحات المواطنين الداعين لاحترام القانون وتمّ تنفيذ احتجاجات سلمية واعتصامات من أجل وقوف البلديات أمام هذه الظاهرة. ولم يسلم من ظاهرة البناء الفوضوي أي منطقة... حيث هاجمت المباني الواحات بقابس. كما قضت على العديد من المناطق الأثرية مثل قرطاج... ولم تسلم حتى الغابات من البناء الفوضوي، حيث تمّ الاستيلاء علي غابة قمرت. وحسب مصادر مطلعة من وزارة الثقافة يتم حاليا التنسيق مع البلديات المعنية قصد إزالة المباني التي تم بناؤها بطريقة غير شرعية، وهي مباني تسيء للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية وما جاورها بصفة مباشرة أو غير مباشرة. وبيّنت مصادر مطلعة ل«الشروق» أنه سيتم هدم هذه المباني وفقا للاجراءات القانونية المعمول بها. لكن المؤسف أن هذه المباني منها فيلات فخمة تكلف بناؤها مئات الملايين، لكن ما بُني على باطل فهو باطل. حق المحتاج!! بين منطق دولة القانون والمؤسسات العامة، وحق المواطن البسيط المحتاج يختلف الحديث والكلام... وخلال لقاء ل«الشروق» مع بعض أصحاب المباني الفوضوية تصاعدت لهجة الحديث. ويقول «ي»: «بأي حق يريدون هدم ما بنيته... أعتقد أن الثورة قد قامت لاعادة الحق للمظلومين والمحتاجين». بدورها تقول فاطمة احدى المنتفعات من البناء الفوضوي: «إن الثورة وُجدت لاعادة تقسيم الثروات بعدل... وأن من حقها الحصول على مسكن وأرض». الواضح أنه في غياب قانون الدولة أيام المطالبة بقيم أكبر مثل الكرامة والديمقراطية، انتهز البعض الفرصة حسب منطقه الخاص للحصول على ما يعتبرونه حقا في الحياة وهو الحق في السكن... ليسود قانون الغاب... هذا ما أكده عمّ محمد الذي أفنى عمره كعامل يوميّ ولم يحصل على مسكن يعفيه من الايجار. وحسب جولة بين أصحاب الأبنية الفوضوية ومنطقهم، فإن الثورة هي فرصة يجب اغتنامها... وهي ثورة مباركة لاعادة الاعتبار للمحتاجين. قوة القانون استقبلت المحاكم التونسية مجموعة من القضايا المتعلقة بالبناء الفوضوي ومنها قضايا تتعلق ببناء أكشاك والاستيلاء على الطريق العام. وذكرت مصادر مختصة في القانون ل«الشروق» أن القانون ينص على هدم جميع البناءات الفوضوية دون استثناء حتى ولو مرت مدة طويلة على تشييدها. وبالرجوع الى بعض المصادر البلدية تبين أن قرار الهدم يتطلب عدّة مراحل قبل التنفيذ مثل المعاينة والتأكد من المخالفة ومعرفة المنازل التي شيّدت على الطريق العام أو على ملك الدولة أو ملك الغير... لكن مصير هذه الأبنية هو واحد وهو الهدم... كما أكدت مصادرنا البلدية أن التأخر في عمليات الهدم لا يعني التغافل أوالتناسي فالمخالف يبقى مخالفا. احصائيات... وحزم الواضح بعد أكثر من ثمانية أشهر من الثورة هو السعي الى تطبيق القانون مع المحافظة على المبادئ النبيلة والقيم الحقيقية التي قامت من أجلها الثورة. وحسب مصادر مطلعة من وزارة الداخلية تمّ إصدار منشور واضح لفائدة الولاة بمعالجة ظاهرة الانتصاب الفوضوي، ومعالجة الوضعيات وفقا لما يتطلبه القانون وقد تم رصد عدد من التجاوزات بمختلف جهات الجمهورية. وتمّ إصدار 3476 قرار هدم تمّ تنفيذ 157 قرار، وسيتم تنفيذ بقية القرارات وقد أعطت الوزارة مهلة بأسبوعين لأصحاب المنشآت التي يمكن تسوية وضعياتها قبل الشروع في تنفيذ عمليات الهدم. وحسب مصادرنا، تتطلب عمليات تنفيذ الهدم للبناء الفوضوي مجهودا كبيرا، حيث يصعب تنفيذ خمس عمليات للهدم في اليوم نفسه. وأكدت مصادرنا أنه سيتم التعامل بكل حزم في ما يتعلق بهدم المنشآت الفوضوية في المناطق الخضراء. ولئن سيكلف هدم المباني والأكشاك والمنازل المنشأة خلافا للصيغ القانونية أصحاب هذه المباني الكثير، فإن الأجهزة المكلفة بتطبيق القانون ستتكبد خسائر مالية من أجل سيادة القانون وفرضه.